مقالات مختارة
– يعرف الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته وحربه أن لا قيمة رادعة لحاملة الطائرات والمدمّرات التي أرسلها إلى سواحل فلسطين المحتلة، إذا نشبت الحرب الكبرى في المنطقة، لأنه يعرف ويعرف مَن معه، أن لكل من الأطراف التي يريد مخاطبتها بلغة الردع تجربتها الخاصة مع حاملاته وقواته. وهو وفريقه لا يرغبون بأن يتذكّروا ما حدث في هذه التجارب. وإذا بدأنا بحزب الله، فيوم كان الحزب في بداياته وتحت التأسيس، ولم ينبت له ريش، وليس عنده صواريخ أرض بحر تدمّر الحاملات والمدمّرات، ولا طائرات مسيّرات تبلغ أهدافها وتنفجر بها على مدى مئات وآلاف الكيلومترات، يومها يقول الأميركيون إنه أوقع بهم أضخم خسائر منذ حرب فيتنام عندما كانت قوات المارينز في بيروت ورحلت هرباً من الأعظم. أما سورية فقد جرّد الأميركي أساطيله كلها وجلبها إلى سواحلها ترجمة لقرار حرب ثم لم يلبث أن قام بسحبها طلباً لتفادي الحرب وفق حساباته التي قال الجنرال دمبسي إنها سوف تكون حرباً لا ترغب واشنطن بالتورط بها. وإذا كان القصد العراق، فالعراقيون خاضوا حرب مقاومة ضد قوات الاحتلال الأميركي أوصلت الإدارة الأميركية للحديث مع الفشل الكامل وصولاً إلى اتخاذ قرار الانسحاب. وفي سورية والعراق قوات أميركية سوف تصبح أكياس ملاكمة إذا تحركت الحاملات والمدمرات للتورط في الحرب، أما إذا كان القصد إيران فقبالة إيران أساطيل في الخليج وفي مرمى نيرانها قواعد أميركية تضم آلاف الجنود. والأميركي يعلم أنها بلا قيمة عسكرية في اي مواجهة مع أنصار الله في اليمن كما قال هجوم آرامكو، فكيف مع إيران، التي عندما أسقطت طائرة التجسس الأميركية العملاقة، قال الرئيس دونالد ترامب لا نريد مواجهة، وحسناً إن العملية ليست فيها دماء.
– ما يريده الأميركي هو إمساك يد بنيامين نتنياهو المرتجفة، وشدّ أزره، وتهدئة ذعره، والقول له لست وحدك، لكن نتنياهو يعلم أنه ما دام الأميركي عاجزاً عن التدخل فلا قيمة لحاملة الطائرات ولا للمدمرات. ويبقى المهم هو ما يصله من صواريخ الباتريوت وقذائف الـ 155 ملم، التي كانت متجهة إلى أوكرانيا، وفيما هو يتمهّل بالذهاب الى الخطوة التالية وهي بدء العملية البرية التي تعهد بها ودعاه الرئيس الأميركي لعدم التردد بخوض غمارها، فإن سبب تردّده الرئيسي هو خشية التبعات والفشل، وهو لذلك يرفع صوته عالياً للتغطية على الخوف كمن يغني خلال سيره بين المقابر لتسلية نفسه حتى يطرد الخوف من الأشباح. وأشباح نتنياهو كثيرة، أولها أن عملية طوفان الأقصى بما تضمنته من انتشار عسكري للمقاومة في مناطق سيطرة قوات الاحتلال ضمن نصف دائرة قطرها 30 كلم من غزة لا زالت مستمرّة، ولا يمكن الحديث عن أمن القوات التي يقوم بحشدها ويريد الزجّ بها في العملية البرية بينما خلف خطوطه مقاتلون يمكن أن يتحوّلوا الى استهداف القوات المهاجمة. ومن أشباح نتنياهو ما يحمله العمل العسكري البري نفسه من مخاطر أمام ما ظهر في معارك طوفان الأقصى، من جهة مقاتلين مدربين يملكون مهارات عالية وروح معنوية عظيمة في ضفة المقاومة. ومن جهة مقابلة جيش مهترئ بلا معنويات مفكّك ليس جاهزاً لخوض حرب من خارج طائراته ودباباته، والعملية البرية تحتاج إلى غير ذلك، وأكثر من ذلك بكثير. ولعل أهم أشباح نتنياهو هو العجز عن معرفة متى وكيف وضمن أي شروط وإلى أي مدى يمكن لحزب الله أن يدخل الحرب، وهو يرغب بخوض الحرب على قياس ما ينسجم مع معادلة تفادي انخراط حزب الله بها، إن كان ذلك ممكناً، وحتى الآن هو لا يملك جواباً على هذا السؤال.
– نتنياهو فرح بأن لديه مزيداً من الوقت الذي يحاول ملؤه بأمرين، الأول مزيد من القصف التدميري على غزة بهدف القتل فقط، لإشباع عطش المستوطنين والجنود والساسة في الكيان لرؤية رقم لشهداء غزة يعادل ويزيد عن رقم القتلى الصهاينة، عسى ذلك يخفف من الضغوط طلباً لعملية برية؛ وهو فرح هنا لأن كل يوم يزداد رقم قتلاه ويبقى أعلى من رقم ضحايا غزة. والثاني هو الاتصالات لتشكيل حكومة طوارئ تضم رموز المعارضة، وهو فرح هنا لأن الاتصالات لم تصل إلى نتيجة نهائية وأن لدى المعارضة شروطاً صعبة، وهو يعلم أنه يريد المعارضة معه لتشاركه بتحمّل الفشل، ولذلك تتردد المعارضة لأنها تعلم ما يعلم، وربما يكون نتنياهو يدعو في سرّه لأن تتأخر حاملة الطائرات الأميركية بالوصول، ليس لأنها إشارة بدء الحرب لأن لا دور لها عسكرياً في الحرب، بل لأنها إعلان اكتمال الدعم الأميركي المعنوي. ويبقى أن الذين يسألون ماذا عن موقف حزب الله العملياتي لجهة شروط وظروف وحدود وضوابط الانخراط في حرب كبرى، لا ينتبهون أن نتنياهو يسأل قبلهم، ولذلك فإن الجواب ليس ملك أحد، بل ربما العكس هو الصحيح، أن حزب الله ينتظر ليعلم درجة نضج القيادة العسكرية في جيش الاحتلال في فهم قوة الردع التي يمثلها حزب الله، وحدود تأثيرها على رسم طبيعة الخطوات اللاحقة، وعندها يبني الحزب على الشيء مقتضاه. وكما منصة غزة الملتهبة هي نقطة البداية لحرب نتنياهو، فإن منصة الحدود المتوترة والساخنة هي نقطة البداية لحرب حزب الله.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً