مقالات مختارة
على الرغم من ان الذكرى الخمسين لحرب تشرين 1973 المجيدة قد تصادفت مع موعد المولد النبوي الشريف، وعلى الرغم انه من الطبيعي جداً ان يشيد سماحة السيد حسن نصر الله، أو أي قائد عربي آخر، بانتصار الجيشين المصري والسوري في تلك الحرب، الا ان توقف سماحة السيد عند الدور الذي لعبه الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، والإيحاء الى ما ترتب على هذا الدور من نتائج كارثية على العالم العربي بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، يستدعي التوقف عند ذلك والتدقيق في كُنـهِ تلك الاشارة وجوانبها.
اما عن السبب الذي يستدعي التوقف ملياً عند هذه الإشارة، فهو انّ العدو قبل الصديق يعرف عن سماحة السيد حسن متابعته الحثيثة والتفصيلية لكلّ ما يدور داخل التجمع الصهيوني في فلسطين المحتلة، سواءً تعلق الأمر بنقاشات سياسية او عسكرية او أمنية او حتى اجتماعية.
من هنا فإنّ المحلل الموضوعي لا بدّ أن يلاحظ أنّ إشارة السيد تلك (لما قام به السادات) لا بدّ أن تكون مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بما يدور داخل الدوائر الصهيونية، حول مسار حرب 1973، ونتائجها العسكرية والسياسية.
كما لا بدّ أيضاً أن يكون الجدل الدائر في الكيان الصهيوني، حول اغتيال العقيد في سلاح الجو الصهيوني، يوسف آلون، قد استرعى انتباه سماحة السيد حسن نصر الله، وهو الجدل الذي لا يزال دائراً حول العقيد الجوي الإسرائيلي، الذي كان من مؤسّسي سلاح الجو الإسرائيلي، وكان عند اغتياله ملحقاً جوياً في سفارة الكيان الصهيوني في واشنطن، وقد تمّ اغتياله أمام بيته في ضواحي واشنطن، عند الساعة 24:30، فجر يوم 1/7/1973، بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، حيث أطلقت على صدره خمس رصاصات من مسدس حربي، عيار 38 ملم، فرّ بعدها المنفذ/ المنفذون الى جهة غير معلومة، وأعلنت وفاته في المستشفى عند الساعه 1:27 من فجر يوم 1/7/1973 نفسه.
وهنا لا بدّ من طرح السؤال الجوهري، حول إشارة السيد حسن نصر الله الى دور السادات خلال الحرب المذكورة:
هل تعمّد سماحة السيد حسن التطرّق إلى هذا الموضوع ضمن سياق عام، حول الحرب، ام انّ لديه اسباباً أخرى، ربما تتعلق بالجهة التي تقف وراء اغتيال العقيد الجوي الإسرائيلي في واشنطن، خاصة أنها كانت المرة الأولى التي يتمّ فيها اغتيال مسؤول عسكري إسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية!؟
علماً انّ الكثير من التساؤلات والملابسات لا تزال تكتنف مقتل ذلك العقيد الجوي الصهيوني، ومن بين اهمّ تلك التساؤلات ما يلي:
1 ـ لا تزال عائلة القتيل تصرّ على انّ اغتياله قد تمّ مع سبق الإصرار والترصد، وانّ من غير المتوقع ان تكون منظمات فدائية فلسطينية قد نفذت عملية الاغتيال، وهو ما تنحو به العائلة الى انّ تصفيته قد تمّت على قاعدة معرفته، او محاولة معرفة تفاصيل الصفقة السرية، التي عقدها وزير الخارجية الأميركية آنذاك، هنري كيسينجر مع السادات، والتي أتاحت القيام بحرب محدودة (طبقاً للخطة التي يدور الحديث حولها) تؤدّي الى تحريك الجبهات وكسر الجمود، الذي كان يعتري جبهات القتال العربية الإسرائيلية، منذ حرب 1967.
2 ـ على الرغم من الاهتمام الأميركي الرسمي، بالعقيد القتيل، بعد مقتله، وقيام الرئيس ريتشارد نيكسون بإصدار أمر رئاسي بنقل جثمانه، بطائرة تابعة لسلاح الجو الأميركي، من طراز C 137، من قاعدة أندروس الجوية الأميركية الى مطار اللدّ، فإنّ جهود الإدارة الأميركية، لكشف ملابسات الاغتيال، بقيَت في إطار المعتاد.
3 ـ أما الدليل على ذلك فهو قيام جهاز التحقيقات الفيدرالي الأميركي : FBI بإقفال التحقيق، في شهر آذار 3/1967، دون الوصول الى ايّ نتيجة.
4 ـ يُضاف الى ذلك الفيلم الوثائقي الصهيوني، بعنوان: من قتل والدي (على لسان إحدى بنات القتيل)، من إنتاج ليورا أمير بارامتس/ Liora Amir Barmatz، الذي بثته القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، في شهر نيسان 2011 يؤكد على ان لا علاقة للفدائيين الفلسطينيين بعملية الاغتيال تلك، وإنما هي عملية تمّت، كما يقول المؤرّخ الاسرائيلي يوري ميلشتاين، والعقيد في الجيش الإسرائيلي يعقوب أغاسي / Yakpv Agassi /بسبب اطلاعه على بعض عناصر ما كان يطلق عليه، آنذاك، خطة كيسينجر، والتي هدفت الى إقامة رابط بين مصر و»إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية، يسمح للأخيرة بالدخول الى المنطقة (الشرق الأوسط) كمنقذ للجميع.
5 ـ أما الأمر الذي يصبّ في خانة أصحاب «نظرية المؤامرة» المقتنعين بأنّ اغتيال العقيد الجوي الإسرائيلي قد تمّ بأيدي عملاء «على ما يبدو أميركيين» بسبب اطلاعه على معلومات لم يكن من المفروض أن يطلع عليها، نقول انّ ما يصبّ في خانة هؤلاء هو قول رئيس «إسرائيل» السابق عازر وايزمن (كان قائداً لسلاح الجو الإسرائيلي ووزيراً للحرب قبل ان يتولى الرئاسة).
«انّ جو قد قتل بسبب معرفته بأشياء لم يكن من المفروض معرفتها…» اقتباس حرفي لأقوال وايزمن.
6 ـ أما قائد الجبهة الجنوبية، في الجيش الإسرائيلي، خلال حرب 1973، الجنرال: شموئيل لونين، فقد قال للصحافي الإسرائيلي الشهير، الذي كتب كتاباً عن موضوع الاغتيال، قال له الجنرال غورين حرفياً:
«لقد قتل – جو آلون – على يد رجالنا لأنه علم بشيء لم يكن من المفروض/ المسموح / معرفته».
وهنا نكرّر السؤال:
هل كانت إشارة سماحة السيد، حول دور السادات، إشارة عابرةً في سياق عام ام انّ لديه كنزاً من المعلومات، التي يريد من خلال استخدامها، خلق مزيد من الانشقاقات والخلافات والتصدّعات، سواء داخل حكومة العدو او داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، الى جانب ما يمكن ان يثيره نشر مثل هذه المعلومات من خلافات وهرج ومرج بين الأحزاب والقوى السياسية في الكيان الصهيوني، خاصة في ظلّ وجود بيئة سياسية هشة ومتفجرة داخل الكيان، وقابلة للمزيد من التشظي واللايقين!؟
وفي مثل هذ ه الحالة، ماذا سيكون دور جهازي الموساد والشاباك الاسرائيليين، اللذين تعاونا مع جهاز التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI / في إقفال التحقيق بقضية اغتيال العقيد الجوي يوسف آلون، في واشنطن!؟
الكلمه الآن للسيد حسن نصر الله.
بعدنا طيّبين قولوا الله …
محمد صادق الحسيني ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً