أقلام الثبات
مع خطى تبلور ما سيكون العالم عليه من خلال تكتلات اقتصادية - سياسية, فتح طرح الولايات المتحدة على لسان رئيسها جو بايدن خلال قمة العشرين التي انعقدت في نيودلهي, شهية بعض الدول, بشان مشروع انشاء خط يمتد من الهند الى السعودية والامارات, والكيان الصهيوني المؤقت فالأردن وصولا الى اوروبا يكون بمواجهة مبادرة الحزام والطريق التي تسمى أيضا بمبادرة "طريق الحرير الجديد" وطريق الحرير البحري التي هي استراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا.في سياق المشروع العملاق , والاكبر في تاريخ البشرية.
بغض النظر عن امكانية ان يكون المشروع الاميركي الذي بدأ خطوته الاولى قبل 14 شهرا قابلا للحياة ,فان الولايات المتحدة التي اعلنت عن المشروع باعتقاد طبيعي انه منافس للغريم الصيني, وهي ليست في النطاق الجغرافي للمشروع, سيكون لها اهداف استراتيجية تتعلق قطعا بالأمن والعسكرة على متن الاقتصاد المرتجى, سيما ان العلاقات المتردية مع الصين, وتراجع النفوذ الاميركي في اسيا, وفي الشرق الاوسط حيث المركز الرئيسي للخط صاحب الرعاية الأميركية تتعرض اميركا لنكسات استراتيجية , واهمها الأخيرة المتمثلة في الاتفاق الإيراني السعودي.
لقد ارادت الولايات المتحدة بالإعلان عن الخط خلال قمة العشرين تسجيل انجاز ولو صوري حتى الان, لان نتائج القمة لم تكن في صالح اميركا, مع انتفاض دول الجنوب على السياسة الأميركية, والحديث بصوت عال اننا لم نعد نرضى بان نكون خدما لواشنطن, او مجرد سوق استهلاكي تتحكم الادارت الأميركية حتى بلقمة عيش شعوب الأرض.
- يعتقد الخبراء, والأميركيون منهم, ان الإعلان بمواكبة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة, وأزمة الإدارة والصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يمكن ان تفيد بايدن في حملته مقابل مسعى الجمهوريون في الكونغرس الى محاكمه بتهم متعددة منها "استخدام النفوذ, في قضايا فساد, ليست فقط المتعلقة بابنه".
- لقد جاء الإعلان قبيل اجتماع منتدى التعاون الدولي الثالث لشركاء "الحزام والطريق " الذي سيعقد في بكين الشهر المقبل بحضور قادة من 90 دولة سجلوا مشاركتهم حتى الان في اللقاء فضلا عن المنظمات الدولية .وليس خافياً ان الصراع الصيني الأميركي في احدى ذرواته حاليا , ويكاد يصل أحيانا الى صدام عسكري في بحر الصين الجنوبي.
بلا ادنى شك ان العقل الأميركي المترعرع على الفتن والحروب, يسعى الى فتنة بين العملاقين البشريين, أي الصين والهند الذي يقارب تعداد السكان فيهما ال3مليارت نسمة ووفق مسؤول أميركي فان التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة جنوب آسيا - من جبال الهيمالايا حتى الجزر الواقعة قبالة شبه القارة الهندية- يكتسب أهمية بالغة وربما يحدد مصير إستراتيجية واشنطن الهادفة لإبقاء المنطقة "مفتوحة وخالية" من النفوذ الصيني. من دون ان يسقط تدبير فتنة بين الجارين الاكبرين بشريا في العالم, أي الصين والهند وفي السياق يقول ديريك غروسمان -المسؤول السابق عن تقديم الإحاطات الاستخباراتية لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادي- إن الخبر السار على الأقل في الوقت الراهن، هو أن نيودلهي "الشريك المقرب لواشنطن" نجحت عموما في درء نفوذ بكين المتصاعد في أرجاء المنطقة.
وفي الاطار تعمد واشنطن الى اغواء الهند بعد ان فشلت في استقطابها ضد روسيا والانضمام الى مجموعة الدول التي تمارس عقوبات على خلفية ما يجري في أوكرانيا .والحقيقة انه بعيد اندلاع الحرب بين روسيا والناتو في أوكرانيا, اجتمع زعماء مجموعة السبع في 26 تموز2022- بقلعة إلماو الألمانية، وبعد ساعات من النقاشات، خلصوا إلى إعلان المواجهة ضد المشروع الاقتصادي الصيني في العالم، وعلى رأسها مبادرة "الحزام والطريق".وحسب بيان للبيت الأبيض، قررت المجموعة "جمع 600 مليار دولار بحلول 2027، للاستثمارات في البنية التحتية العالمية"، ستوفر منها واشنطن "خلال السنوات الخمس المقبلة 200 مليار دولار عبر منح وموارد من الحكومة الاتحادية وجمع استثمارات من القطاع الخاص".لكن الجملة الأهم في البيان ان الأموال تعزز سلاسل توريداتنا وتنوعها وتخلق فرصاً جديدة للعاملين والشركات الأمريكية وتدعم أمننا القومي"، حسب البيان. فيما ستوفر هذه الشراكة أيضاً هيكلاً لدول مجموعة السبع لتوحيد مواردها لتمويل الاقتصادات الناشئة من أجل إيقاف التوسع الاقتصادي الصيني داخلها.
ان نجاح المشروع الأميركي بمواجهة الصين يسلتزم غير الأموال, قوى بشرية, قادرة على الصدام مع الصين وهنا تدخل الغواية الاقتصادية للهند التي لديها مشاكل حدودية مع الصين مع تحريض لنيودلهي وقد عبر عن ذلك غريسمان نفسه الذي يعمل حاليا محللا لشؤون الدفاع في مؤسسة راند، وأستاذا مساعدا في جامعة جنوب كاليفورنيا- باعتباره أن القلق الذي يساور نيودلهي هو أن بكين التي اشتبكت معها عسكريا مرات عديدة على الحدود البرية المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، تخطط لنسج شبكة تحالفات لتطويق الهند برا وبحرا، لتحل محلها كقوة مهيمنة على منطقة جنوب آسيا.
وتروج واشنطن أيضا في سياق توسيع الشروخ انه إذا فشلت الهند في الحد من النفوذ الصيني في جنوب آسيا، فإنها قد تعرض إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي للخطر الشديد، وهذا برأيه, سيدفع نيودلهي الى التركيز في هذه الحالة على جيرانها، وستقلل على الأرجح من نطاق دعمها للأهداف الأميركية في مناطق أبعد سواء في جنوب شرق آسيا أو المحيط الهادي.
ويخلص غروسمان الى أنه إذا استنتجت الهند أن الصين نجحت في تطويقها، فإن ذلك سيثير احتمال اندلاع حرب بين القوتين النوويتين، مشيرا إلى أن أيا من هذه النتائج غير محبذة، ولتجنب ذلك فإن على واشنطن العمل على تعزيز جهود الهند ليس فقط للبقاء متقدمة على الصين في جنوب آسيا، بل ولتوسيع الفجوة بينهما أيضا.
السؤال الذي يطرح نفسه اذا وصلت الهند الى مفترق في الخيارات, فهل تقبل التجربة الأوكرانية وتتحول دمية للناتو, وامام عينيها انه خلال عام ونصف من العملية العسكرية الروسية الخاصة، ضخ الناتو ما يقرب من مائة مليار دولار إلى أوكرانيا، بلا افق سوى الموت والدمار, و تختار الصدام ,وتغامر بكل تاريخها المبني على ثورة المهاتما غاندي في الخلاص من الاستعمار الغربي, ام تختار الوئام مع الجيران, وتصبح أيضا من ضمن مشروع الحزام والطريق بدل حرب تسعى اليها واشنطن لتعود وتسود في المنطقة
طبعا لا تقتصر الجهود الأميركية الهدامة على الهند للمواجهة, فانها تدفع بايطاليا – الدولة الوحيدة من مجموعة السبع في "الحزام والطريق" للخروج من الشراكة, عبر ضغوط تعترف بالاستجابة لها رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي أعلنت بصريح العبارة ان مبادرة الحزام والطريق صارت اختبارا لعلاقات بلادها مع الولايات المتحدة وأبلغت ميلوني التي تنتشر في بلادها قواعد أميركية هي الاثقل, رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الهند، أن إيطاليا تعتزم الانسحاب من المبادرة بينما لا تزال تتطلع إلى الحفاظ على العلاقات الودية مع بكين، والعزم المشترك على تعزيز وتعميق الحوار بين روما وبكين، بشأن القضايا الأساسية الثنائية والدولية".
في الخلاصة يبقى نجاح المشروع الاميركي مرتبطا بصورة اساسية في المشهد الذي سيكون عليه الشرق الاوسط, حيث تحتشد فيه الاساطيل الاميركية بذريعة تأمين حركة الملاحة, وفي الممرات الدولية. وهذا شأن سوف يخصص له مقال اخر.