لبنان، من حضن "الأم الحنون" الى الحاضنة الخليجية... ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 19 أيلول , 2023 10:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
قُبيل زيارته الأخيرة الى بيروت، التقى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في باريس، المستشار في رئاسة الوزراء السعودية نزار العلولا، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وممثل عن الاستخبارات السعودية، في لقاء جاء بناء لطلب الجانب الفرنسي، بهدف تنسيق المواقف، والتشديد على الشراكة مع المملكة السعودية وقطر والولايات المتحدة بشأن الملف اللبناني، وتزوَّد لودريان قبل صعوده الطائرة الى بيروت بما يلي: لا تغييرات في الموقف السعودي لناحية رفض أية تسوية تأتي بمرشح قريب من حزب الله، وبدوره أعلن لودريان عدم تمسك باريس بترشيح سليمان فرنجية.

بناء عليه، فإن كل ما أنجزه لودريان في زيارته الأخيرة، أنه كرر الدعوة الى الحوار بين اللبنانيين، في نعيٍ منه للمبادرة الفرنسية الفردية، كونه منذ الزيارة السابقة، بات يبدو وكأنه ليس ممثلاً للرئيس الفرنسي، بقدر ما هو منتدب من "اللجنة الخماسية بشأن لبنان" التي تضم الى جانب فرنسا، الولايات المتحدة والمملكة السعودية ومصر وقطر.

وعندما تُذكر قطر في أي ملف إقليمي، فمعنى ذلك أن التوجهات وسطية، في ما يحفظ حق كل من القطبين الإقليميين إيران والسعودية، والترجمة باللبناني تعني، أن العماد جوزف عون أقرب الى بعبدا من فرنجية، رغم أن قائد الجيش أفصح لوفد نقابة الصحافة يوم الإثنين بالقول، عند سؤاله عن انتخابات رئاسة الجمهورية: "ما بيهمني وما بيعنيني، ولم يبحثه أحد معي، ولم أبحثه مع أحد".

قد يكون تصريح قائد الجيش حاداً، لأنه جاء رداً على الإعلام اللبناني، الذي اعتبر ان زيارة النائب محمد رعد الى اليرزة هي تمهيد لبسط السجادة الحمراء الى بعبدا للعماد جوزف عون، وأن زيارته الى بنشعي بعدها بأيام بداية سحب البساط من تحت أقدام فرنجية، ليس لأن حزب الله يريد التخلي عن حليفه، بل لأن التمسك بشخص ممنوع دولياً وإقليمياً من الوصول يعني إطالة أمد جمهورية بلا رئيس ووطن بلا دولة، حتى ولو كانت بقايا دولة.

نفي العماد جوزف عون علاقته بموضوع رئاسة الجمهورية، لا يعني أن إسمه غير متداول أكثر من سواه على مدى سنوات وليس أشهراً، وأنه الشخصية التي قد يتوافق عليها اللبنانيون أكثر من سواها، وأنه إقليمياً محسوب على الخط الوسطي القطري، ولم يسبق له أن انكر ذلك، لأن صفته الوسطية محمودة على المستوى الوطني، وهو كقائد للجيش يده ناصعة، لكنه ربما بات منزعجاً ليس من طرح إسمه بقدر ما أن كل انتخابات رئاسة جمهورية في لبنان باتت كما حكاية إبريق الزيت، وقطر بعد المملكة السعودية شاهدة على ذلك منذ مؤتمر الدوحة عام ٢٠٠٨ واحتضنت مهد انتخاب الرئيس ميشال سليمان.

وكما سمحت المملكة السعودية بالدور القطري عام ٢٠٠٨ ليكون استكمالاً للطائف السعودي عام ١٩٨٩، فهي على موقفها الآن من خلال تواجدها مع قطر في اللجنة الخماسية، وشريكة معها بالتكافل والتضامن في الملف اللبناني، ولو لم تكن قطر واثقة من امتلاك هذا الملف لما أقدمت بكل جرأة على الإستثمار في بحر لبنان وعلى الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، ولا تستطيع إسرائيل إزعاج قطر، التي كانت السباقة في إقامة العلاقات التجارية معها وأدَّبتها قطر بقطع هذه العلاقات على خلفية عدوان "الرصاص المسكوب" على قطاع غزة عام ٢٠٠٩.

الدور القطري في لبنان بات من بداية العام ٢٠٢٣، لا يحمل فقط جرأة سياسية، بل جرأة استثمارية وانتصار على مقولة "الرأسمال الجبان" المعروفة في علم الإقتصاد عن هروب الرساميل من المناطق المعرَّضة لعدم الإستقرار، بما يعني أن قطر مؤمنة بالضمانة الائتمانية لإستثمارها في لبنان وتحديداً على حدود هي واثقة أن القدرات اللبنانية ستجعلها آمنة.

وقطر، التي اقترن إسمها في لبنان بكلمة "شكراً"، نتيجة مواقفها الكريمة خلال المِحن اللبنانية، وما أكثرها، وإنضمامها الى
"توتال إنيرجي" الفرنسية و" إيني" الإيطالية في إطار ائتلاف للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية  اللبنانية، لا يعني فقط أنها واثقة بالجدوى الإقتصادية من هذا الإستثمار، بل هي واثقة من الملف السياسي الذي يبدو أنه في حضانتها بمباركة القُطبين الإقليميَّين، المملكة السعودية وإيران.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل