مقالات مختارة
– ثمة ثلاث حقائق ثابتة بالنسبة لكل مَن يتابع المشهد اللبناني اليوم، الأول أن واشنطن دخلت بقوة على خط الاستحقاق الرئاسي لتعطيل إمكانية التوصل الى توافق ينهي الفراغ، بالرغم من كل التصريحات الأميركية التي تتحدث عن مطالبة النواب اللبنانيين بالإسراع بانتخاب رئيس جديد. فجوهر المداخلة الأميركية المستجدة وتفويض قطر التحرّك لتسويق مشاغبات على المبادرة الفرنسية، كان وراء تقاطع ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لطرح معادلة إسقاط ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، مع إدراك أن ذلك يعني تحقيق الهدف من ترشيح أزعور، وبالتالي ترجيح كفة الفريق الذي قام بترشيحه، وليس معاملة متوازنة بين الفريقين المتقابلين كما يبدو في الظاهر. ولا يُخفى أن أي ترجيح كفة على كفة يعني تعقيد الاستحقاق، الذي قامت المبادرة الفرنسية على مقاربته وفق صيغة رابح رابح، من خلال تسمية رئيس جمهورية يريح فريق وتسمية رئيس حكومة يريح الفريق المقابل.
– الحقيقة الثانية هي أن الوضع المتوتر في جنوب لبنان لم يبدأ بمبادرة من حزب الله، بل بدأ بردات فعل على مشاريع استكمال بناء الجدار الذي تقوم به قوات الاحتلال تحت شعار القلق من خطر عبور المقاومة نحو الجليل في أي مواجهة محتملة، والجدار الذي يسعى إليه الاحتلال يقوم في المناطق المتنازع عليها داخل الأراضي اللبنانية، وهذا ما تسبّب في تلال كفرشوبا والجزء الشمالي لبلدة الغجر بتوتير الأجواء. وهذا التوتر ليس من السهل السيطرة عليه، لأنه في ظروف ضعف الكيان وتراجع قوته وأزماته الداخلية، وتصاعد المواجهات مع المقاومة في الضفة الغربية، ليس سهلاً على قيادة الكيان السياسية والعسكرية التراجع إلى الوراء بالصيغة التي تمّ عبرها ترسيم الحدود البحرية، خصوصاً أن التعنت برفض التسليم بالحقوق اللبنانية الثابتة والمرسّمة عمره سنوات، والتجريف لبناء الجدار أضاء عليه ووضعه في الواجهة، لكنه ألزم المقاومة بالتحرّك. وهذا الوضع المتوتر قد ينزلق الى مواجهة في أيّ وقت، خصوصاً أن المقاومة لن تسكت عن وضع الجزء الشمالي من بلدة الغجر، التي لا يبدو أن الحلول الدبلوماسية قادرة على إلزام الاحتلال بتنفيذ تعهداته السابقة بالانسحاب منها.
– الحقيقة الثالثة هي أن الأولوية الأميركية ليست الرئاسة اللبنانية، بل هي توفير بوليصة تأمين للكيان لتجاوز اللحظات الصعبة التي يعيشها، والقلق من مخاطر أي تطورات يمكن أن تفرض مواجهة قابلة للتطور وليس الكيان في وضعية تتيح له تحمل تبعاتها، وما يجري داخل الكيان من انقسام حادّ، رغم الموقف الأميركي السلبي من أداء بنيامين نتنياهو وحكومته في التعامل مع عناوين الانقسام، لا يسمح لواشنطن بالتخلي عن الكيان وتركه يواجه وضعاً حرجاً، ربما ينزلق الى حرب تخرج عن السيطرة، لأن المعادلة الأميركية تبقى أن أي هزيمة للكيان هي تراجع في المكانة الأميركية، تطوّر سلبيّ في موازين القوى التي تعرف واشنطن أنها لم تعُد في صالحها في المنطقة، ولذلك تهتم واشنطن بمحاولة تخفيف التوتر، واستكشاف فرص الحلول الدبلوماسية، ولو لتجميد النزاع إذا استعصت الحلول.
– انطلاقاً من هذه الحقائق، يبدو أن الوضع في الجنوب يشكّل بالنسبة للأميركيين المدخل للملف الرئاسي، على قاعدة البحث بتسوية تشتمل على ضمان استقرار مديد على الحدود البرية الجنوبية للبنان أسوة بالحدود البحرية، وهي تعلم أن المقاومة لن تتنازل عن شبر من الأرض اللبنانية، كما رفضت التنازل عن قطرة ماء أو نفط في البحر، ولذلك يصبح احتجاز الرئاسة اللبنانية رهينة لحين يصبح تفادي الانفجار على الحدود الجنوبية يستدعي فدية بحجم الانسحاب الإسرائيلي أسوة بما جرى في البحر، وحتى ذلك الحين يبقى الفراغ أفضل الخيارات الأميركية، وأول الغيث قطر.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً