التجديد " لليونيفيل".. "برداً وسلاماً "على لبنان

السبت 22 تموز , 2023 08:43 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

تتوالى الأخطاء في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، بل يجنح بعض منها نحو خانة "الخطيئة الكبرى". فقرار التمديد الروتيني في العام الماضي للقوة الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" بموجب القرار الأممي الرقم 1701 لم يكن كسابقاته، فالضغوط الأميركية والإسرائيلية نجحت في استصدار تعديل، ولم يلق اعتراضاً من المندوب الروسي، وذلك بإضافة نص مخالف لما كان معمول به ومنفَّذ منذ صدور ذلك القرار قبل 17 عاماً.

فالنص المضاف يُقرّ "حرية الحركة لدوريات اليونيفيل في منطقة عملياتها في الجنوب، بمعزل عن مواكبة دوريات الجيش ومن دون علمه المسبق". 

لا عجب، فغياب الدبلوماسية اللبنانية والموقف الموحّد من السلطة السياسية، وعدم تقديرها لأبعاد وأخطار ما يمكن أن يعكسه أي تعديل لأي قرار أممي يتعلق بمنطقة حساسة كجنوب لبنان، أدى إلى تمرير هذا التعديل على مهام اليونيفيل. 

الشجب وبعض المواقف الأهلية المعترضة على خطوة الأمم المتحدة لم تكن كفيلة بردع القوات الدولية من تنفيذ صلاحياتها التي نص عليها القرار العام الماضي، لولا تدخّل قيادة الجيش اللبناني التي اجتمع أعضاء منها بأعضاء عن القوات الدولية، وأبرموا تفاهماً مع قيادة اليونيفيل ارتكز على نصيحة تُرجمت باتفاق،  تضمّن النصيحة من جانب قيادة الجيش "صحيح أن القرار 1701 تمّ تعديله، لكننا ننصحكم بعدم التحرّك من دون تبليغ ومؤازرة الجيش، لأنّ ردّة فعل الأهالي لن تكون حميدة... فالأفضل أن تكونوا قوات متفاهمة مع الدولة وتنسّقوا معها وعلى علاقة طيبة مع سكان المنطقة". 

اليوم وعلى أبواب التجديد لليونيفيل لن تكون هناك أي عقبات أو ضغوط لتمرير تعديل جديد على مهامها، والإيحاء بأن المرحلة دقيقة وستواجه صعوبات في غير مكانها لو أن الظروف في الأشهر الماضية شهدت بعض التوترات على الأرض، لكنها هي بحد ذاتها مؤشر على أن الدول المشاركة في التصويت على القرار لن تتجه نحو التصعيد، لأنها حريصة على إبقاء القوات الدولية في الجانب اللبناني، وهو ما تستفيد منه "إسرائيل" بعدة جوانب، وهي بالتالي لن تزج أفراد هذه القوات في المخاطر، وهذا أيضاً كان حصل بعد أن تجاوز بعض منها نصيحة قيادة الجيش اللبناني وتفاهمها، ما أدى إلى احتكاك دوريات من القوة الدولية مع الأهالي وسقوط ضحايا وجرحى.

وعليه فإنّ قرار التمديد سيمرّ هذا العام بسهولة من دون أي تعقيدات. فقبل الاجتماع والتصويت على القرار في الأمم المتحدة جاءت الطمأنة، واتضح الموقف والمسار الذي ستتبعه قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان عبر قائد القوة الدولية الجديد الذي أعلن أن اليونيفيل ستتعامل مع الوضع وتتابع مهماتها، وكأن القرار الجديد لم يصدر، إذ إنها ستحرص على ألا تسيّر أي دورية من دون مواكبة الجيش أو علمه والتنسيق المسبق معه، وذلك على غرار المعمول به منذ صيف عام 2006.     

فقوات الطوارئ الدولية أرست معادلة من جانبها، غير معلنة، مع حزب الله، وفيها عدم الخوض مع المقاومة في أي صدام كونها محصّنة بقواعدها الشعبية التي هي من نسيجها، في الوقت الذي يعلم قادتها أن الدول الداعمة لقوات الطوارئ الدولية تستخدمهم كمراقبين لحركة المقاومة ولحفاظ أمن "إسرائيل". وإلا كيف تحفظ أي قوات دولية ما يسمّى الأمن، وكيف تُطبّق القرارات الأممية على جانب واحد؟ بمعنى أن تلك القوات موجودة على الحدود ضمن الأراضي اللبنانية، وغائبة لجهة الأراضي المحتلة. 

لذا تعلم اليونيفيل جيداً حدود هامش حركتها وتعلم أن موازين "اللعب" مع المقاومة تأتي حتماً بالخسائر لها، فلا أحد في جنوب لبنان ينتفض على بيئته، والتجارب القليلة بإحداث خرق "كجسّ نبض" اصطدمت بحوادث لا تريدها لا المقاومة ولا الدولة اللبنانية.

تؤدي اليوم هذه القوات دور الوساطة بين الجانب اللبناني والعدو الإسرائيلي عند حدوث أي توتر على الحدود. بحجم محدود لا يعيق ولا يردع، لكن حجم وساطاتها مكثّف في الفترة الأخيرة، وهي تعمل على أعلى المستويات لـ "حماية إسرائيل" وعدم نشوب أي حرب جديدة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مأزوم داخلياً على المستوى الإسرائيلي، ومهزوم على مستوى التصدي والصمود، فالمقاومة الفلسطينية التي لا تتوقّف. 

تسمع قوات الطوارئ وترى جيداً ما يحصل من شبه حرب أهلية. الآلاف من وحدات الاحتياط في الجيش أوقفوا خدمتهم إذا لم تتوقّف خطة إضعاف القضاء، والشلل في المؤسسات بدأ يأخذ طريقه، والتظاهرات تتوسّع بوتيرة مستمرة... "إسرائيل" في مأزق، وأي جبهة خارجية لن توحّدها، لأن ثقة الإسرائيليين بحكومتهم معدومة، ولأن تجربة الحرب مع حزب الله معروفة، وليس آخرها ما نقله الإعلام العبري عن أن حزب الله كان قادراً على قتل رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هلفي، لكنه اكتفى بتوجيه عدسات كاميراته عليه فقط وليس سلاحه عند الحدود الشمالية مع لبنان...

بعد أيام، سيتم التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان، وسيكون هذا الملف "برداً وسلاماً" على لبنان الذي ينتظر حلولاً لملفات معقّدة وخطيرة ودقيقة، ولا يبدو أنها سلكت طريق الحل!  

 

ريما فرح ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل