وثيقة مار مخايل، بين الافتراق المشروع والطلاق الممنوع ! ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 18 تموز , 2023 10:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

اللقاءات التي تحصل منذ فترة، بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والقيادي في حزب الله الحاج وفيق صفا، لا تحمل صفة "سرِّي للغاية" بقدر ما أن تفاصيلها ما زالت ضمن العموميات، في ما يشبه إدارة الاختلاف على شخص المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، الذي ألزم التيار أن يحمل لواء المرشح جهاد أزعور، ليس قناعة من العونيين به، بقدر ما أنه الوحيد الذي استطاع البطريريك الراعي "جمع" المسيحيين حول اسمه، في "عجيبة إلهية" روّجت لها "القوات اللبنانية" مع "الكتائب" بسيناريو من فؤاد السنيورة لتسويق أزعور لدى التيار، هذا التيار الذي كتب يوماً "الإبراء المستحيل" وأوصله إعلامياً الى مختلف الأصقاع، ليرقُد لاحقاً بسلام في أدراج القضاء اللبناني الراقد.

وبقدر صعوبة اقتناع النائب جبران بسليمان فرنجية، لن تقتنع الشريحة الواسعة من العونيين بجهاد أزعور، أي قبل إدارة الاختلاف منعاً للافتراق مع حزب الله تحاشياً للطلاق، برز الاختلاف داخل التيار، وتمّ اتهام النواب سيمون أبي رميا، والياس بو صعب، والان عون، وإبراهيم كنعان أنهم في حالة تمرُّد على قيادة باسيل، الى أن أحسن كنعان الردّ في مقابلة تلفزيونية، أن هذا الأمر غير صحيح، لكن التيار ليس حزباً شمولياً وأن تعدد الآراء فيه يأتي ضمن سياق ديموقراطي.

هنا يبرز ابراهيم كنعان بنظر العونيين، ليس فقط بطلاً في عملية صياغة الإبراء المستحيل بجهوده المُضنية، بل في حرصه على العلاقة السليمة بين التيار والقواعد العونية، التي لم تنسَ مَن إبراؤهم مستحيل، ولن تتقبَّل أزعور القادم من المدرسة الحريرية، والتيار كحزب، لا يندرج ضمن نظرية الهيكلية العسكرية المعروفة لدى القوات، وكلمة " الأمر لي" التي يتمتع بها سمير جعجع على مناصريه، لا يؤمن بها التيار ولا يقبل بها العونيون لأنفسهم، وكذلك الحال في رفضهم "الدكتاتورية العائلية" لدى الحزب التقدمي الاشتراكي أو الكتائب اللبنانية، ولا حتى جبران باسيل ذلك الزعيم بالوراثة أباً عن جد كما هو واقع سليمان فرنجية مع المردة، وبالتالي، لا يُمكن حُكم العونيين سوى بمبادىء ميشال عون، وقيادة التيار تدرك قبل سواها هذه المُسلَّمات المبدئية.

ومن منطلق "لا يختلط الزيت بالماء"، تُدرك قيادة التيار عدم إمكانية تلاقي العونيين مع باقي الأحزاب المسيحية بقياداتها الحالية على مفهوم الوطن الواحد، خصوصاً أن هذه الأحزاب ليست على عجلة من أمرها لانتخاب رئيس طالما أنها قادرة على توزيع المنافع الوظيفية على مناصريها، ليس بالضرورة في القطاع العام بل في القطاع الخاص ضمن إمكانيات كل حزب وكانتونه الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، تمتلك "القوات اللبنانية" شركات خاصة ومؤسسات استثمارية مسجلة باسم أشخاص من الحلقات الضيقة حول سمير جعجع لتشغيل المناصرين، فيما القواعد العونية تبحث دون جدوى عن وظيفة والجواب لدى التيار معروف: لا واسطة في القطاع العام ولا إمكانية تشغيل في القطاع الخاص لأن التيار ليست لديه الإمكانيات المادية، وهذا الواقع لا ينتقص من قيمة التيار والعونيين.

هنا تكمُن اهمية وثيقة مار مخايل بالنسبة للقواعد العونية، التي بصراحة لا كيمياء بينها وبين قواعد الأحزاب المسيحية، ولا بينها وبين الشارع السياسي الإسلامي سواء كان حركة أمل أو الاشتراكي أو بقايا تيار المستقبل، وقد تكون الصدقية التي طبعت شخصية كل من الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله، هي التي صانت لغاية الآن وثيقة مار مخايل، رغم الاختلاف حول آلية تطبيق البند الرابع منها الذي ينصّ على بناء الدولة.

عودة التواصل بين قيادتي التيار الوطني الحر وحزب الله، حصلت بفضل تحرر الإثنين من فرض الشرط القاسي على الآخر: البحث عن أسماء مع الإبقاء على فرنجية وأزعور ضمنها ولكن، بقدر صعوبة موافقة التيار على فرنجية تبرز صعوبة استمرار التيار في السير بأزعور غير المقبول عونياً، وبالتالي، سيجد التيار نفسه مُستولداً لاسمٍ بديل عن أزعور يكون "جوكر" التفاوض، حتى لو كان ذلك سبباً لانتكاسة مع القوات والكتائب، كي يُثبت التيار أنه ابن مدرسة الثوابت التي لن يتخلى عنها العونيون من أجل زواج ماروني هجين مع القوات قابل عند كل مفترق للبطلان، والعودة الى الزواج الوطني مع الحزب الذي قد يعتريه افتراق في بعض الملفات، لكنه على ما يبدو لن يصل إلى الطلاق الممنوع.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل