الاقتصاد الغربي المتهالك يودع العالم برفع الجنون ــ يونس عودة

الثلاثاء 11 تموز , 2023 08:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بينما تتصاعد معاناة الشعوب على امتداد العالم من الأزمات المتلاحقة, جراء الركود الاقتصادي, والأزمات المالية, يواصل الغرب المأزوم اقتصاديا وسياسيا واخلاقيا في الهروب الى الامام, مع فتح الأبواب على مصاريعها باتجاه حرب عالمية ثالثة قد يكون السلاح النووي الذي لا يبقي ولا يذر أحد أدواتها.

لا شك ان الازمة الاقتصادية العالمية ابرز الأسباب التي تقود الى تلك الحرب, بموازاة تعول الدول ذات النهج الامبريالي – الفاشي للإبقاء على الهيمنة المترنحة, وهو ما يؤشر إلى أزمات داخلية متعاظمة بسبب سلوك انظمة الاقتصاد الهمجي, في تأجيج النزاعات والحروب المتنقلة. لعل سياسات العقوبات التي ينتهجها الغرب بقيادة الولايات المتحدة, اتجاه أي دولة لا تنصاع الى الانبطاح امام المآرب الغربية, تساهم بفعالية كبرى في تعميق أزمات أنظمة الغرب المتوحشة, وعلى حساب شعوبها التي يرتفع انينها بالدرجة الأولى ,جراء التمويل المدمر لنظام كييف الفاشي, بهدف محاصرة روسيا, وتدميرها اقتصاديا, ومن ثم الانقضاض الواهم عليها من اجل تفكيكها, إلا كل المعطيات بما فيها الدراسات الغربية, تؤكد فشل الإجراءات الغربية في إمكانية تطويع روسيا, كما أنها تؤكد أن الاكلاف التي يرصدها الغرب, تنعكس بصورة أولية على الشعوب ولا سيما الاوربيون.

لقد توصلت دراسة ألمانية مؤخراً ــــ وألمانيا أكبر وأقوى اقتصاد أوروبي ــــ أن الحرب الجارية في أوكرانيا التي تشارك فيها دول الناتو, كلفت الاقتصاد العالمي 1.3 تريليون دولار في عام 2022 وحده, والتوقعات تشير أن الاكلاف الممكنة حتى نهاية العام 2023 سوف تتضاعف, وقد تأثرت الاقتصادات الغربية بشكل خاص، حيث فقدت ثلثي إنتاجها العالمي, إضافة الى أن "أسعار الطاقة المرتفعة تسببت في حدوث صدمات في التكلفة على مستوى الإنتاج، والتي أصبحت عبئاً يصعب حسابه على العديد من الشركات, كما ان يتوقع المزيد من النقص في المواد الخام, ما يزيد المخاوف من ارتفاع التكاليف".

لم يعد من مهرب امام الحكومة الألمانية التي تعشق الحنين الى العهد النازي في المضمون, من الإقرار بان أكبر اقتصاد في أوروبا يعاني انكماشاً تقنيا، وتضخماً لم يشهده منذ عشرات السنين. ولذلك ليس غريباً بأن تقر حكومة المستشار شولتس مشروع ميزانية باقتطاعات كبيرة طالت الكثير من النواحي بما فيها الأساسيات، مقابل زيادة في الإنفاق على الشؤون العسكرية -"الدفاع"- والانخراط بجنون غير مسبوق في تمويل الحرب لأوكرانيا ذات النظام الفاشي, والمندفعة بشدة في فرض عقوبات على روسيا. رغم ان المانيا كانت الأكثر دلالا لدى روسيا بحيث كانت لها الأولوية من مشتقات الطاقة الرخيصة والمضمونة من موسكو , وقد تبدد أوهام حكام المانيا بشأن إن الغاز المسال الأميركي سيستبدل الغاز الروسي في السوق الألمانية، بعد ان خاب الرهان, لا بل أن الاقتصاد الروسي تفوق على الاقتصاد الألماني في الفترة التي تلت العقوبات، وأن آمال الغرب على العقوبات خابت تماماً، مثلما خابت توقعاتهم من الهجوم الاوكراني المضاد , ما وضع أوروبا في وضع حرج امام شعوبها في مسألة تمويل حرب بلا جدوى من اجل لي ذراع روسيا, فيما الغرب الغدار يفتقر إلى الشجاعة للاعتراف بأن العقوبات فشلت فشلا ذريعا.

لقد نشرت صحيفة "لوموند" تقريرا استعرضت فيه العوامل التي تقف وراء مرونة الاقتصاد الروسي وصموده في وجه العقوبات الغربية الشديدة. وقالت الصحيفة إن البنك المركزي الروسي اتبع استراتيجية عملت على استقرار سعر صرف الروبل، إضافة لامتلاك روسيا احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية والذهب.

كما تعمل روسيا على تنظيم إنتاج محلي لمختلف الصناعات انطلاقا من المواد الغذائية وصولا إلى قطاع المنسوجات، كذلك أشارت الصحيفة إلى حقيقة زيادة الاستيراد في روسيا من جمهوريات سوفيتية سابقة في مؤشر على النجاح في الإلتفاف على العقوبات.

ومن العوامل الأخرى التي دعمت الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات، توفر العديد من قطع الغيار اللازمة لصناعات روسية في الصين. كذلك لم يؤثر على الاقتصاد الروسي توقف الجزء الأكبر من إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا.

في هذا الجزء من الصراع اثبت الغرب ان التوحش اقتصادياً, سيؤدي الى نشوء متغير اقتصادي سيظهر اكثر مستقبلا ان المتغير الاقتصادي هو قاعدة محورية محركة وفاعلة في تغير نمطية العلاقات بين الدول وكذلك من خلال التأثير على آليات الحركة في النظام الدولي. وهذا يعني بلا شك, ولو رافقته مكابرة غربية اقتراب قرب زوال الهيمنة الأمريكية على العالم، وبالتالي موت المصطلحات والمسلمات في العلاقات الدولية والتي صاحبت زعامة القوة الأمريكية للعالم.

نعم لقد دفعت دول الناتو بأخطرها في الحرب على روسيا من خلال أوكرانيا ,العالم إلى إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية العالمية إذ زعزعت الحرب أساسات اقتصاديات أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة. ولذلك نرى اليوم ان السعودية ومصر كنموذجين عربيين من اقرب حلفاء اميركا , باتا يجاهران بقول كلمة "لا " بوجه الولايات المتحدة , بالتوازي أيضا مع تعاظم دور دول "بريكس ", ومنظمة شنغهاي, اللتان تبنيان قواعد صلبة وعادلة في العلاقات الدولية, وان بخطى غير سريعة, في مواجهة هيمنة الغرب الفاجر - في السياسة والدولار- على الاقتصاد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل