مقالات مختارة
مخيم جنين الذي يمكن وصفه بـ (الفدائي) منذ معركته البطولية عام 2002، والتي أُثخن فيها بالجراح ثُمّ قام من الموت، وها هو يتجلى حيّاً ممتشقاً ما تيسّر من السلاح ويواجه الآلة العسكريّة المُدمّرة التي يملكها العدو الصهيوني... حتى اللحظة من اليوم الثاني للعدوان عليه بكل صنوف السلاح أرضاً وجوّاً، ويصمد ويتصدى لا ينتظر بيانات الاحتجاجات الرخوة، والإدانات المبتذلة التي تكرّر العبارات الكاذبة التي خبرها شعبنا في كل معاركه.
المخيم الفدائي، مخيم جنين البطولة العريقة، وهو مثخن بالجراح يثبت في الميدان، ويطلب من أهل القضية وقد عرفوا بأنهم أُخذوا في الطريق الخطأ، وضللوا بالسيّر منومين وراء أوهام (سلام الشجعان)... أن يستيقظوا بعد ثلاثين عاماً من الخداع الأميركي، ومواصلة الكيان الصهيوني للاستحواذ على ما تبقّى من أرض الفلسطينيين، ووضع الفلسطيني أمام خيار: كل واشرب ما نيسّره لك... أو السجن والموت وهدم بيتك إن أنت قاومت!
المخيم الفدائي، مخيم جنين البطل، يشقّ أمام الفلسطينيين مخرجاً من المأزق الذي أدخلت فيه القضيّة الفلسطينيّة، ويمضي على طريق التحرير ودمه ينزف بكبرياء، موجّهاً اللطمات للكيان الصهيوني ومستوطنيه، باثاً الثقة في قلوب الفلسطينيين الذين ما عاد ينطلي عليهم خطاب التضليل، ووهم الرهان على تحقيق دولة فلسطينيّة، فثلاثة عقود من الكذب والوهم والتضليل تكفي، وهي عقود من السجون، والاغتيالات، ونهب الأرض والماء ودفع فاتورة الاحتلال بإراحته من تكاليفه، بحيث وصف بأنه احتلال خمس نجوم مُريح ومُربح، بينما شعبنا يخسر، وقضيتنا تخسر...
نتنياهو منذ البداية كان ضد أوسلو، وهو عندما يعلن أنه يجب اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية من رأس أي فلسطيني فهو لا يأتي بجديد، وهو ليس وحده من يحمل هذه القناعات، فكلّ قادة الكيان الصهيوني ضد دولة للفلسطينيين مستقلة وكاملة السيادة، ولكن بعض الفلسطينيين ما زالوا يسيرون نياماً لقصر نظر، أو لمصالح، أو لعجز عن السير بخيار مخيم جنين الفدائي.
فهذا الخيار الذي لم ينخرط في مسيرة أوسلو، ومنذ البداية أعلن: طريقنا يمضي مباشرة إلى فلسطين، ولن نشارك في سلطة موهومة، ولن نثق بأميركا فهي عدو لنا وليست وسيطاً، ولن نصغي لنصائح أخوة السوء الذين يدفعون بمن يصغون إليهم للسقوط في حفرة ما لها قرار!
من جديد مخيم جنين الفدائي الذي لا يساوم، والذي ينهض من الموت، يتقدّم ودمه على صدره، وقد تماهى هو وطريق فلسطين المستقيم غير المتعرّج، والذي لا تغطي أهدافه عتمة تخفي الوجوه والحقائق، يمضي مؤمناً، متمسّكاً بهدفه: تحرير فلسطين من النهر إلى البحر...
أمّا نتنياهو الذي يريد اجتثاث شعبنا، وقضيتنا، ويعتبر أن إيماننا بفلسطين واحدة كاملة حُرّة، فهو من سيُجتث لأنه طارئ على أرضنا، ولا جذور له عندنا، ولذا بالمقاومة سيتّم اقتلاعه وسيكون خياره الوحيد عودته إلى البلاد التي جاء منها ليُغرس في "فلسطيننا".
مخيم جنين يضع كل فلسطيني أمام خيار المقاومة، ولا يرضى بالمبرّرات التي تدّعي العقلانية التي تفضحها دبابات وجرّافات ومسيّرات العدو، وعمله الإجرامي على اجتثاث مخيم جنين، وتشريد أهله بترانسفير اختباري يمكن أن ينفّذه على كل مدينة ومخيم وقرية فلسطينية إذا ما مرّ مخططه الإجرامي... وما هو بالمفاجئ فهو في صلب عقيدته الصهيونيّة، وهو (الحل) الذي لا يخفيه الصهاينة للقضيّة الفلسطينيّة، وللشعب العربي الفلسطيني...
مخيم جنين الفدائي يمنح فرصة لكل الفلسطينيين ليتحدوا في الميدان، وليقاوموا بكل ما لديهم من سلاح، موحّدي الصفوف، وليعتمدوا على الله وأنفسهم والشرفاء في أمتهم وفي العالم.
مخيم جنين قام من الموت ويقاوم، ومن ولدوا بعد تدمير المخيم عام 2002 كبروا وها هم يقاومون ببسالة تُذهل العدو وتفرح قلب الصديق... وهو لا يثق بالبيانات التافهة لدول التطبيع، ولحكّام التبعية، وهو يرسم الطريق لكل أبناء شعب فلسطين لينخرطوا في المقاومة، كلّهم... وحيثما كانوا، ففلسطين لا تقبل منهم ولا ترضى لهم أن يصدروا البيانات، أو يذرفوا دموع الحزن... فلسطين تريدهم أن يقاوموا كأهلهم في مخيم جنين.
وفلسطين، كما مخيم جنين، لا ترضى من أي عربي ومسلم أقل من الانحياز لخيار المقاومة.
إذا هدم العدو بيوت مخيم جنين فلن يستطيع هدم عقول ونفوس وأرواح المقاومين في كل فلسطين، فما دامت فلسطين محتلة فنار المقاومة ستبقى متأجّجة، وخيارها سيبقى خيار مخيم جنين...
رشاد أبو شاور ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً