اللبناني المعذب في المجتمع المتعب! ـ أحمد زين الدين

الأربعاء 07 حزيران , 2023 12:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل هي محاولة لتحسين هيبة ازعور بتراجع الدولار 200 ليرة؟!

مرة جديدة يتبين كم أن المواطن في البلد المعذب لبنان يتعرض لأبشع عمليات الاستغلال والنهب والسرقة من جهات مختلف، من المتسولات والمتسولين في الشوارع الذين باتت تتعدد اساليبهم في التسول ، وآخر "ابداعاتهم" مقابلة الناس التي تسير في الشوارع في طريقهم الى أعمالهم أو الى بيوتهم لتوفير مئات الآف من الليرات التي تذهب بدل نقل ، طلب المساعدة ، وتمر بجشع سائق التكسي ، الذي يريد أن يجمع ثمن وقود سيارته وكوابحها وبطاريتها وتبديل دواليبها وهلم جرا من يفترض على مدى أشهر أو سنوات من صيانة ضرورية لسيارته ، وتتابع سيرها على المولات والسوبركات ومحلات بيع الخضار والفواكه والدكاكين والمطاعم التي لا ترى تراجع سعر صرف العملة الخضراء ولا حتى استقرارها ، فتسجل الاسعار عندها زيادة مستمرة، من دون اي مبرر وإن كانت الحجة حاضرة بسبب اسعار الدولار الجمركي او رفع السعر في بدعة "صرفة" ، وغيرها الكثير من الحجج والمبررات التي يدفع ثمنها اللبناني المنهك من كل هذا، وما يمكن يضاف اليه من تكاليف الطبابة والدواء والتعليم الخ...

اذا كنا نسوق هذه الوقائع للاشارة الى حال اللبنانيين، فان الأمر لا يقف عند هذه الحدود ، ليصل إلى السلطة، بحكومتها العرجاء ومجلسها النيابي ، واداراتها المشلولة وما فيها من روائح و مآسي ، فالحكومة التي وضعت موازنة 2022 وأقرها مجلس النواب بما فيه من "تغييريبن " و "NGOZ " و"حاملين السلم بالعرض"، لم يروا أن السياسات المالية قد صمّمت لتعزيز المكتسبات الاقتصادية في قطاعات معينة وبين صفوف الطبقات الأغنى في البلد. لتأخذ في الاعتبار أن 50% من الإيرادات يتم جمعها باستخدام الضرائب غير المباشرة - على سبيل المثال ضريبة القيمة المضافة - التي يسهم فيها دافعو الضرائب الفقراء أكثر من الأغنياء وبشكل غير متناسب، والأنواع الأخرى من الضرائب التصاعدية، مثل الضرائب على الدخل والأرباح ومكاسب رأس المال هي تدفقات ثانوية، في حين أن الضريبة على الثروة لا تزال مرفوضة من قبل النخب السياسية .

بالإضافة إلى النظام الضريبي، يسمح ضعف التحصيل الضريبي بتهرّب ضريبي سنوي يقدّر بنحو 5 مليارات دولار. يستفيد منهم ، أولئك الذين لديهم علاقات كافية للتهرب من دفع الضرائب. وقد تم إضفاء الشرعية على التهرّب من خلال إعفاءات تعسّفية مُنحت وتمنح لشركات أو قطاعات معينة من دون مبرر اقتصادي. يُعدّ عدد المرات التي يؤجل فيها تسديد الضريبة التي أقرت في الحكومة والبرلمان سنوياً، نموذجاً مثالياً لتآكل نظام تحصيل الإيرادات. وفي الواقع، زادت هذه التأجيلات بشكل كبير مع مرور الوقت، حيث بلغت ذروتها عند 34 تأجيل في عام 2021.

نقول كل هذا من دون أن نأتي سرقة العصر التي مارستها المصارف بحق المودعين اللبنانيين وغير اللبنانين ، حيث مارست المصارف سرقة موصوفة لودائع اللبنانيين وتتحمّل مسؤولية كبرى لما وصلنا إليه. والحديث عن ذلك لا ينتهي ، لكن لا يثير الريبة والشك هو هذا التوسع في تأسيس الجمعيات الأهلية والثقافية والاجتماعية التي يرأسها ويشرف عليها مقربون جداً من كبار المسؤولين، تتلقى دعماً رسمياً هاماً، وكما أن هذه الجمعيات توسع تفريخها باستمرار، وأصبحت تنبت كالفطر مع اندلاع الأحداث السورية، بذريعة دعم ومساعدة النازحين، وكانت تقدم للنازحين من "الجمل أذنه".

هذه الجمعيات التي تندرج وفق التعبير الغربي، تحت عنوان "المجتمع المدني"، تنوعت وتعددت أشكالها وأنواعها وألوانها بعد 17 تشرين الأول 2019، حيث فرخت العديد من الجمعيات التي يقوم دورها على إيهام الغاضبين من الفساد والانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي، بأنها تسعى إلى التغيير، وهي في حقيقتها أدوات سياسية تابعة للخارج الاميركي والغربي، وهكذا رأينا هذه الجمعيات بأسماء مختلفة، تنتشر كالنار في الهشيم في سوق "المساعدات" التي أوكلت إليها واشنطن والدول الغربية توزيعها الذي يتم على عدد من الناشطين التابعين لهذه الجمعيات، وباتت واشنطن وعواصم الغرب تعلن أن مساعداتها ستكون "للمجتمع المدني" وليس عبر الدولة.

والمفارقة أن هذه الجمعيات في لبنان لا تخضع إلى الرقابة المالية ولا إلى شفافية الميزانية وشفافية البرامج والضرائب والمداخيل. فهي في هذا السياق جزء لا يتجزأ من فساد الطبقة السياسية التي تخفي وظيفتها ومداخيلها في الخلط المشبوه بين العمل الخاص والعمل العام، فضلاً عن الترويج لنفسها بأنها "جمعيات مدنية" تطوّعية من دون مقابل مالي، لكن دايفيد هيل فضحها بإعلانه عن مليارات الدولارات التي قدمتها واشنطن لهذا "المجتمع" الزائف.

وجمعيات "المجتمع المدني" في لبنان هي جزء لا يتجزأ من عمل المنظمات "غير الحكومية" التي اعتمدتها الدول الغربية في العمل للقضاء على دور الدولة وعلى الاستقرار الأمني والاجتماعي. وفي ظل نشوء ما يسمى " المجتمع المدني " يمكن القول أن الفساد لم يعد مقتصرا على الطبقة السياسية وحسب، بل أخذ ينتشر افقيا وعاموديا، وصار نوعا من حالة مجتمعية إن جاز التعبير، جراء انتشار جمعيات " مدنية " تقوم بمهام تقديم المساعدات من خلال تمويل مجهول ومشبوه، وقد أكد وزير الداخلية السابق العميد محمد فهمي على هذا الواقع في حديث تلفزيزني في 13 كانون الأول الفائت من العام المنصرم، بتشديده : " أن الساحة اللبنانية مخترقة من أجهزة مخابرات دولية من خلال بعض المنظمات غير الحكومية التي يربوا عددها في لبنان حولي 11500 جمعية، نصفهم يعمل تحت أجنحة أجهزة مخابرات دولية، ضد لبنان.. هذه معلومات مؤكدة " ، كاشفا أن "ضغوطا دولية مورست على الحكومة اللبنانية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان".

اخيرا ، لافت الاستقرار بسعر صرف الدولار الاميركي في مقابل الليرة اللبنانية، لا بل شهد انخفاضاً بسيطاً في الآونة الاخيرة، ولو انّ الليرة تترنح وتكاد تسقط بالضربة القاضية. 93 الف ومئتي ليرة لبنانية كان الرقم الذي وصل اليه الدولار واعتبره اللبنانيون انه "انخفض"، وعليه انطلقت التحاليل عن ايجاد السبب الحقيقي وراء "ترويض" الدولار، وفي وقت يجري الحديث عن طلب الانتربول توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان يفترض وصل الدولار الى اعتاب الـ150 الف ليرة أو أكثر من ذلك.

اللافت هنا أن البعض اعتبر انّ ترشيح جهاد ازعور، المدير الحالي لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، هو السبب في هذا التطوّر المفاجئ لسعر صرف الدولار، ولكن هذا الكلام ايضاً غير دقيق ولا يمكن الركون اليه الا من باب دعم ترشيحه ورفع منسوب التأييد له ، لكن نذكر أن أزعور الذي كان وزير مالية حكومة فؤاد السنيورة بين 2005 و 2008 ، مطالبة حكومته بكشف مصير 11 مليار دولار في الموازنة العامة، و6 مليار دولار دخلت كدعم للبنان إبان حرب تموز 2006 لم تدخل الى الخزينة العامة للدولة ، وحين كان يسأل عنها الرئيس إميل لحود كان يأتيه الرد أنها موجودة على الانترنت.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل