لبنان، من السين - سين الى "ساس" ! ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 17 أيار , 2023 09:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم نأتِ بشيءٍ من عندياتنا، لو أطلقنا تسمية "ساس" على معادلة السعودية -إيران- سورية بشأن الأزمة اللبنانية، كبديلٍ عن السين-سين، طالما أن الإعاقة اللبنانية متمادية في الاسترخاء على صفيح الخيبة الداخلية واستجداء الحلول الخارجية، لدرجة أن كل الأبواق السياسية والإعلامية تتباهى، بأن هذا المرشح الرئاسي محسوب على قطر، والثاني على السعودية، والثالث أميركي، والرابع الذي يريده الثنائي الشيعي سوري على إيراني، وكل الذي نسمعه ويسمعه معنا العالم، ما هو سوى عزف "فرقة حسب الله" من طبقة قاصرة فاسدة بلغت عبر السنوات مرحلة انعدام الحياء.

شئنا أم أبينا نحن اللبنانيين، نجد هذه الطبقة السياسية- أو معظمها- تتزحفط على أعتاب الدواوين الدولية والإقليمية، تبحث عن طاولة مباحثات تنبطح تحتها لالتقاط الفُتات، ومَن كان من اللبنانيين ما زال لديه بعض إيمان بهذا الوطن، ولديه عنفوان قدموس، وكل حضارة النهضة اللبنانية و"هالكم أرزة العاجقين الكون"، فقد فَقَد بقايا تاريخه وبات يلملم بقاياه ليستمر على قيد الحياة.

وشئنا أم أبينا، نحن نستعطي من السعودية وإيران وسورية، أن يقبلوا بنا لقطاء في حضن "ساس"، وننتظر على مهل، ولسنا على عجلة من أمرنا، لأننا اعتدنا نومة الأرصفة وحياة التسكُّع على أدراج الآخرين، والكرامة الإنسانية لشعبنا قد بعناها من زمان ولكن، عسانا على الأقل نخطف اللحظة ونقطف الفرصة، سيما وأن ضرورة إرساء الأمن الإقليمي الذي تحتاجه كل من السعودية وإيران بعيداً عن كل ما هو أميركي أو كل من هو متأمرك، جمع ما بين دولتين إقليميتين كبيرتين، لبنان يحتاج مساعدتهما أكثر من حاجة سورية إليهما، لكن الفارق، أن في سورية دولة تُجيد الإدارة الذاتية رغم المحنة الطويلة، ونحن في لبنان ما زلنا على هيئة دولة في هيكلٍ كرتوني متداعٍ، لبلدٍ نصف سكانه من النازحين، وما زالت حكومة تصريف الأعمال وتقطيع الوقت فيه، تُكابر في التواصل مع الحكومة السورية، لحل مشكلة هي لبنانية وليست سورية! ونحن لا نُتقن أصول الاستثمار الديبلوماسي، بأن نكون في وضع جهوزية دولة، حتى ولو أننا لا نعوِّل على القمم العربية وبياناتها الكلامية، التي ما حررت أرضنا ولا ردَّت عنا يوماُ عدواناً صهيونياً أو هجوماً تكفيرياً ولكن، حتى اللحظة الإقليمية لا نُجيد خطفها وقطفها من خلال عودة سورية الى الجامعة العربية، والاستفادة من شروط الدول العربية بضرورة إعادة النازحين من دول الجوار.

وعلى ذكر العدوان الصهيوني والإرهاب التكفيري، وكلاهما دفعنا أثمانهما دماءً لبنانية وأرزاقاً وبُنى تحتية، وبُنية كيان كان دائماً مُهدداً، فإن مسألة قطف اللحظة لصالح لبنان هي مُضاعفة الآن وقد لا تتكرر، لأن جنوبنا آمن بفضل المعادلة الثلاثية، والعدو الصهيوني لديه ما يكفي من مخاطر وجودية، سواء داخلياً بسبب اضطرابات التعديلات القضائية، أو في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي أمطرته مؤخراً بالصواريخ على الطريقة اللبنانية وألزمته بوقف إطلاق النار مع قطاع غزة.

أما موضوع الإرهاب التكفيري، الذي يُحكى أن بعض خلاياه النائمة موجودة في لبنان ومتغلغلة ضمن بعض مخيمات ما تسمى "المعارضة السورية"، فها هو الرئيس رجب طيب أردوغان، دفع في الانتخابات الرئاسية ثمن إيوائه للمجموعات الإرهابية وتوريط بلاده بما لا ناقة لها فيه ولا جمل، وانهار الاقتصاد التركي وتضاعف حجم التضخم مراراً، وانتقل أردوغان الى جولة مواجهة ثانية مع مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، الذي وضع بند إخراج النازحين من بلاده على رأس أولويات برنامجه، لأنهم برأيه نتاج تدخلات أردوغان في سورية، ليس بصفتهم نازحين، بل لأن بينهم مَن هم أدوات إرهاب تحت ستار "معارضة سورية"، ونحن في لبنان ما زلنا نعتبرهم أدوات تناحر داخلي فيما بيننا، وننفث على بعضنا سموماً سياسية وطائفية ومذهبية ونحمِّلهم وحدهم المسؤولية !!

منذ نحو شهر تقريباً، طلبت الحكومة اللبنانية من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تزويدها بلوائح النازحين المستفيدين من مساعدات الأمم، وجاء ردّ المفوضية أنها كانت دوماً تتبادل المعلومات مع لجنة لبنانية لهذه الغاية، واللجنة نفسها توقفت عن العمل، فما هو جواب الحكومة اللبنانية التي لا تمتلك أدنى "داتا" عن النازحين وأعدادهم وأماكن تواجدهم على الأراضي اللبنانية؟!

ومنذ نحو أسبوعين أرسلت وزارة الداخلية الى المحافظين والبلديات أوامراً بوجوب إحصاء النازحين ضمن نطاق المحافظات والمدن والبلدات، فأين أصبحت التدابير التي يجب أن تكون مركزية لدى وزارة الداخلية، وبمتناول الأمن العام، لنكون على جهوزية في حال طُلِب من لبنان تقديم لوائح مطابقة لواقع الأرض لأية جهة عربية أو دولية ذات اختصاص بتنسيق عودة النازحين؟

لا نملك الجواب، سوى أننا نعيش في دوامة "الورشة التي لا تنتهي" في أي أمر وطني، مع تسجيل مخالفات إفرادية وارتكابات جنح وجرائم، وردود أفعال غير منضبطة، سواء من لبنانيين أو سوريين، على خلفية تقديرات شخصية انفعالية لواقع التعامل مع النزوح من الجهات الحكومية المركزية، التي لا تُجيد سوى الاستغاثة الكلامية من زمن السين - سين الى زمن "ساس" ..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل