الخائبون ـ عدنان الساحلي

الجمعة 14 نيسان , 2023 08:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

اعتاد منظرو الالتحاق بالغرب وجماعة الانبطاح أمام العدوانية "الإسرائيلية"، تلقي الخيبات وتحمل الصدمات كلما هُزمت فكرة من أفكارهم، أو سفهت نظرية تربوا عليها، أو سقط رهان بنوا عليه مواقفهم وتحليلاتهم، من دون أن يتعلموا دروساً تفيدهم، أو تنبههم إلى عقم ما يتفكرون. وآخر هذه السقطات، تسرعهم في التهجم على الفعل المقاوم، الذي شهده الجنوب اللبناني مؤخراً، رداً من مجهول أو معلوم، لا فرق، على تدنيس جنود العدو "الإسرائيلي" ومستوطنيه حرمة المسجد الأقصى؛ وتعديهم على المصلين لإخلاء أولى القبلتين وثالث الحرمين من المصلين، بحيث يخلو المكان لممارسات المستوطنين وجرائمهم، في سعيهم المعلن للسيطرة على المسجد الأقصى، تمهيداً لهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه.

وبغض النظر عن شكلية مواقفهم، بإعلان رفضهم اعتبار لبنان منصة لمهاجمة الكيان "الإسرائيلي" التوسعي والدخيل، أو رفضهم لوحدة ساحات المواجهة مع هذا العدو، فإنهم في الجوهر ومنذ إغتصاب فلسطين على أيدي العصابات الصهيونية، يعارضون كل عمل مقاوم؛ وكل إشتباك أو مواجهة مع تلك العصابات وجيشها، الذي لم يتوقف يوماً عن العدوان على لبنان براً وبحراً وجواً. وكانت حجتهم الأساس لرفض بناء جيش قوي ومقاتل، يحمي لبنان من عدوانية تلك العصابات، أن "قوة لبنان في ضعفه". لكن الأيام بينت عدم صدقية هذا الشعار وقائليه، فهم انفسهم لطالما نادوا وعملوا على زج الجيش والقوى الأمنية في الداخل، ضد القوى التي تختلف معهم في السياسة والعقيدة. كما أنهم حملوا السلاح خلال أحداث عام 1958 ضد مناوئيهم السياسيين، في ظل تدخل أميركي داعم لهم، فكانوا أهل عنف وقتل ولم تكن قوتهم في ضعفهم، إلا في مواجهة العدو "الإسرائيلي".

كذلك، أشعلت تلك القوى ذاتها، على أيدي آبائها المؤسسين ومرجعياتها، حرباً ادعت أنها لتحرير لبنان من الفلسطينيين والسوريين، عام 1975، كانت عملياً حرباً اهلية بين اللبنانيين، لحسم الصراع بينهم على الحكم ونوع النظام وسياساته وتحالفاته وهوية البلد ووحدته. وها هي ذات القوى ترفع مجدداً شعارات التقسيم والفدرلة، لإبتزاز من يخالفها الرأي والسياسة، في نهمها للسلطة وتغولها على الحكم ومفاتيحه. والجدير بإحياء الذاكرة، أن تلك القوى عند إنطلاق الثورة الفلسطينية، كانت ترفض قيام اي عمل مقاوم إنطلاقاً من لبنان. وكانت تعتبر عمليات المقاومة ضد "إسرائيل" وما زالت، عملاً إرهابياً "يضر بلبنان وبازدهاره الإقتصادي وبمواسمه السياحية". لكن تلك القوى نفسها، تحالفت مع العدو "الإسرائيلي" في حروبها ضد شركائها في الوطن. وضد منظمة التحرير الفلسطينية، عندما كانت مقاومة للتحرير. ثم مدت أيادي الصداقة والتشجيع، لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في رام الله، عندما أعلنت تلك السلطة إنهاء الصراع مع محتل أرضها ومهجر شعبها؛ وبدأت تنسيقاً أمنياً معه ضد المقاومين من أبنائها.

والذين يكررون هذه الأيام رفضهم الدخول في مواجهات مع "الإسرائيلي" لأنهم دعاة سلام وسعاة للحياة، هم انفسهم سبق أن رفعوا شعارات قالوا فيها "أن على كل لبناني أن يقتل سورياً وفلسطينياً". فأين السلمية وحب الحياة ورفض العنف عندهم، إلا إذا كان ضد الكيان المغتصب لفلسطين، فهو مرفوض. وهم أنفسهم خاضوا حروباً دموية ليس أقلها حروب التصفيات والصراع على من يقود "حزب القوات"، أو تصفية "نمور الحرار"، الصدام مع الجيش اللبناني، قتل طوني فرنجية وعائلته والعشرات من الشخصيات السياسية والعسكرية والحزبية.

أما أحدث بدع تلك الأصوات، فهي عند اداء وظيفتها كأبواق مأجورة نعقت في التهجم على الجمهورة الإسلامية في إيران؛ وعلى المقاومات العربية والإسلامية المدعومة منها، تحت إدعاء الإنتماء للعروبة واللجوء إلى الحضن العربي. فتلك الأصوات كانت صديقة حميمة لنظام الشاه البائد، حليف أميركا و"إسرائيل". وهي "عروبية" في مواجهة إيران المعادية لأميركا و"إسرائيل". لكنها "إسرائيلية" ومتصهينة في تأيدها لـ"إسرائيل" وانحيازها لها. وهي لا تخفي وقاحتها وكذبها عندما تحّول الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، من صراع عربي –"إسرائيلي"؛ وصراع فلسطيني – "إسرائيلي"، إلى صراع إيراني – "إسرائيلي". مسقطة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني من حساباتها، بما يخدم فكرة إقامة تحالف عربي- "إسرائيلي" ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.

لكن سوء الحظ يبقى يلاحق تلك القوى والأبواق، إذ سرعان ما أصيبت بالخرس والإرتباك. ولم تعد العروبة حضناً لها، بعد ما تخلت المملكة السعودية عن ذلك المشروع، بعد أن تأكد حكام المملكة من فشل كل المشروعات الأميركية في المنطقة، من لبنان وسورية، إلى العراق واليمن، فكان أن وسطوا الرئاسة الصينية لرعاية مصالحة بين السعودية وإيران، أسقطت كل الخطاب المعادي السابق بين الدولتين، في إنعطافة واسعة، شملت تطوير علاقات المملكة الإقتصادية بالصين؛ وتمتينها مع روسيا؛ وإجراء مصالحات عربية كانت مستبعدة منذ فترة قريبة، مثل إعادة العلاقات مع سورية والبدء بإجراءات وقف الحرب على اليمن. فهل سيتعلم أصحاب المنطق الخائب أن للإنحراف حدوداً وأن اللعب على التناقضات يجرّ عواقب. وأن الخيانة ليست وجهة نظر؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل