لبنان تحت ضغط مثلث الفساد والهيمنة والتقسيم ــ عدنان الساحلي

الجمعة 31 آذار , 2023 12:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أثار الإعلام اللبناني، مسألة تجنب مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، زيارة بعض الفاعليات والمرجعيات اللبنانية، خصوصاً الطائفية منها، فيما مرّ بسرعة تصريحها الأساس، خلال زيارتها لبنان الأسبوع الماضي، الذي قالت فيه "أنه لا بديل أمام التعافي الاقتصادي في لبنان، إلا من خلال إحراز تقدم تجاه إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي". فهذا التصريح، الذي خاطبت فيه ليف مسؤولين لبنانيين كبارا، على ما فيه من ضغط عليهم، لإكمال ما بدأوه في مسيرة "الضغط والإنهاك" على شعبهم، يؤكد أن اللبنانيين ما زالوا في عنق الزجاجة، يتعرضون لابتزاز مثلث الأضلاع، من الخارج والداخل، بغية دفعهم إلى خيارات غير مقبولة من قبلهم.

وليف كانت حاسمة في مخاطبة مسؤول كبير بالقول: "يجب الإتفاق مع صندوق النقد الدولي على حل في اسرع وقت ممكن". وفيما يعاني اللبنانيون من تداعيات الفساد الذي نهب اموالهم بالهدر والسرقات؛ وهرّب ما بقي منها إلى الخارج، مما أدى إلى تراجع قيمة الليرة اللبنانية من الف وخمسمائة ليرة للدولار الواحد، إلى حدود المائة وخمسين الفاً، أي مئة ضعف، مع ما يعني ذلك من موت القدرة الشرائية لرواتب ومداخيل اللبنانيين؛ ووضع ثمانين في المائة منهم تحت خط الفقر. وهذا هو الضلع الأول في مثلث الضغط على اللبنانيين. يبرز تكامل الجريمة بين فساد الداخل وضغط الخارج، لإيصال لبنان إلى مرحلة يعجز فيها اللبنانيون عن قول كلمة لا، لما يحضر لهم ويهيء، في غرف الفساد الداخلي والهيمنة الخارجية.

واللافت أن ليف استكملت تصريحها عندما زارت لبنان مؤخراً، بحديث لوكالات أخبار عالمية، قالت فيه: أن قادة لبنان يفتقرون في ما يبدو إلى "الإحساس بالضرورة الملحة" لإخراج بلدهم من أزمته الاقتصادية والسياسية الحادة. بعدها جاء تصريح رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، ارنستو راميريز ريغو، في مؤتمر صحافي في ختام زيارته لبيروت، بعد زيارة ليف بايام، ليؤكد الشكوى الخارجية من تلكوء المسؤولين اللبنانيين في تلبية طلبات ما يسمى زوراً "المجتمع الدولي"، الذي هو في الواقع مجتمع القرار الأميركي وإرادته في تسيير شؤون البلدان التابعة والخانعة له. وهذا هو ضلع الضغط الثاني. ريغو الذي شملت لقاءاته مسؤولين وجهات عدة، قال في مؤتمر صحافي: "نعتقد أن لبنان في لحظة خطيرة للغاية، عند مفترق طرق". مضيفاً: أن "الستاتيكو القائم والتقاعس" عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد "في أزمة لا نهاية لها".

وكأن اللبنانيين الذين ضربهم الفقر والجوع، يحتاجون من يذكرهم بحالهم. كل هذا الكلام الكبير لتنفيذ اتفاق مبدئي مع لبنان، على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لا تغني لبنان ولا تسد جوع شعبه. بل ولا تسد جشع الفاسدين من حكامه. لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة اللبنانية تنفيذ إصلاحات مسبقة؛ وإقرار البرلمان لمشاريع قوانين، أبرزها قانون "كابيتال كونترول"، الذي يقيّد عمليات السحب وتحويل العملات الأجنبية من المصارف. إضافة الى إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية وتوحيد سعر الصرف. لكن المسؤولين اللبنانيين، الذين انتظروا إستكمال تهريب الأموال إلى الخارج، لبدء الحديث عن قانون "الكابيتال كونترول"، تراجعوا أمام الإحتجاجات الشعبية، عن إقراره وفق ما تريده جمعية المصارف، بحيث يكون على حساب المودعين.

ويعرف اللبنانيون أن هذا القانون والإصلاحات التي طلبها صندوق النقد، ستزيد من معاناتهم، لأن الحلول ستأتي على حساب الفقراء والمستضعفين، في حين أن الزعماء وأصحاب النفوذ وكبار المتولين، هربوا أموالهم إلى الخارج. كما أن دعوات البعض "لإستغلال" أملاك ومؤسسات الدولة لا تجد التجاوب المطلوب. فمنذ سنوات يطالب البعض "ببيع الدولة ومؤسساتها"؛ وتبني خصخصتها بالكامل، بما يتيح تنفيذ كل ما تريده أميركا والغرب من لبنان، خصوصاً توطين اللاجئين الفلسطينيين ودمج النازحين السوريين.

بعدها يأتي الضلع الثالث في مثلث الإبتزاز؛ وهو دعاة التقسيم والفدرلة، الذين تكشف مواقفهم إصرارهم على الحاق لبنان بمشاريع الغرب، تحت تهديد تقسيمه وفدرلة نظامه، في تهويل رخيص لا يعطي مفعولاً سوى دفع اللبنانيين إلى الهجرة أفراداً وجماعات. وللتذكير، فإن سياسة توريط لبنان بالديون، التي تضغط ليف ومندوب الصندوق الدولي لإستكمال إغراق لبنان فيها، بدأت مع إيحاء صريح بان سدادها سيتم بالسياسة، عبر الإنضواء في سياسة "السلام والتطبيع" مع العدو "الإسرائيلي"، التي كانت جارية في تسعينيات القرن الماضي. في حين تجري اليوم عملية تكبيل لبنان بالديون المشروطة، ليس فقط لإعلان لإفقاره وإفلاسه وهذا حصل، بل لإلزامه بشروط سياسية وإقتصادية باتت معروفة من جميع اللبنانيين، الذين تحاصرهم القرارات الأميركية لإجبارهم على القبول بشروطها.

وهذا ما كشفه فشل جر الغاز والكهرباء من مصر والأردن، لأنه مشروط بتلبية مطالب سياسية. فمعظم مطالب صندوق النقد، جرت تلبيتها من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، من رفع الدعم عن استيراد المحروقات والمواد الغذائيّة والمستلزمات الطبيّة وكل أصناف الأدوية، كما تجنبت الحكومات تصحيح أجور العاملين في القطاع العام. وربطت أسعار جميع السلع بسعر الدولار في السوق الموازية. وتركت العملة الوطنية تنهار إلى الحضيض أمام الدولار الأميركي. كما نفذت ما سبق أن طلبه راس الحكومة في تسعينيات القرن الماضي، بحجة تشجيع الإستثمار، فضربت نظام الحد الأدنى للأجور وعطلت عمل الضمان الإجتماعي؛ ومدت أيديها على أموال المضمونين وتعويضاتهم. لذلك فإن ما تبقى لكسر إرادة اللبنانيين و"صهينتهم" و"أسرلتهم، بات يركز على مطالب سياسية، ستنفذ تحت حجة ضرورة إرضاء صندوق النقد، على أيدي "منقذ" سينفذ تمثيلية شاهدها اللبنانيون عام 1992، عندما وصل سعر الدولار إلى ثلاثة آلاف ليرة، فجاء "المنقذ" وخفضه وجمده على سعر الف وخمسماية ليرة. لكن ما هو الثمن الذي سيقبضه هذا "المنقذ"، غير بيع الذهب والتصرف بأملاك الدولة؟ الأيام ستجيب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل