مقالات مختارة
مرحلة إقليمية جديدة تبدأ وفقاً لمصادر متابعة للاتفاق السعودي الإيراني، وقرب تحوّل سورية الى شريك ثالث يمثل البعد العربي لمحور المقاومة، سواء بصفتها مرجعاً عربياً صالحاً لبحث الملفات العربية مع المحور من وجهة نظر السعودية، أو لتمثيلها الشريك الرسمي العربي في المحور، بعلاقات رسمية وطبيعية مع الدول العربية الفاعلة، من وجهة نظر إيران، وتشكيلها بالنسبة للفريقين الحليف الأبرز لروسيا التي باتت لاعباً شرق أوسطياً، ولاعباً متوسطياً بامتياز. وحسب هذه المصادر فإن مرحلة جديدة تطل برأسها على المنطقة، ولبنان ضمنها، تشبه مؤشراتها من حيث النوعية والأهمية، المرحلة التي رافقت ولادة اتفاق الطائف بالنسبة للبنان، وإطلاق مؤتمر مدريد وحرب الخليج بالنسبة للمنطقة، هي المرحلة التي أعقبت انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي وتحوّل واشنطن إلى عاصمة النظام العالمي الجديد لمرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ فيما تكتمل اليوم معالم مرحلة نهاية هذا النظام العالمي الذي حكم العالم ما بعد الحرب الباردة، باعتراف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، ويجري سباق متسارع على ملء المساحات الدولية التي عجزت الأحادية الأميركية عن ضمان شمولها بنظامها الأمني والسياسي والاقتصادي، وفي مقدمتها الشرق الأوسط، حيث تبدو روسيا مرجعاً موثوقاً قادراً في إدارة ملفات شمال الشرق الأوسط، وفق معادلة الرباعية الروسية الإيرانية التركية السورية، وتبدو الصين بموقعها الحاسم اقتصادياً وفي سوق الطاقة خصوصاً، مظلة قادرة على توفير ضمانات الاستقرار لجنوب الشرق الأوسط عبر ثلاثية صينية إيرانية سعودية.
تبدأ معالم المرحلة الجديدة بالقناعة بأن الحربين الأبرز في المنطقة، الحرب في سورية والحرب في اليمن، قد فقدتا الأسباب الموجبة، بالنسبة للقوتين الكبيرتين في الإقليم اللتين استثمرت كل منهما كل ثقلها ومواردها للفوز بهاتين الحربين، وهما تركيا والسعودية، وقد تحوّلت المظلة الأميركية لهاتين الحربين إلى ورطة إقليمية على المعنيين بها يستحيل الخروج منها تحت المظلة الأميركية نفسها، فكانت المظلة الروسية للخروج التركي من الحرب السورية، والمظلة الصينية للخروج السعودي من حرب اليمن، ولا نزال في بدايات الطريق لكن بقوة وثبات وثقة، وفيما تتوّج القمة الروسية الصينية المشهد الشرق أوسطي، بإعلان تحالف استراتيجي متعدّد الوجوه، تبدو إيران في قلب الثنائي الروسي الصيني شريك حلفي الشمال والجنوب، وتبدو سورية حاجة سعودية شمالاً، أي نحو المشرق، وحاجة روسية جنوباً، أي نحو لبنان، وهذا يعني دوراً سورياً جديداً مختلفاً عن الذي حكم الموقع السوري منذ خروج القوات السورية من لبنان عام 2005.
يكشف الكلام الصادر عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمام مؤتمر ميونيخ، عن علاقة التوجّه السعودي نحو سورية خارج الضوابط المعتمدة سابقاً والمرتبطة بالنظرة الغربية الموحّدة مع السعودية بربط كل انفتاح وحل لقضية النازحين والبدء بالإعمار بما سُمّي بالحل السياسي، والمقصود منه كان دمج الجماعات الموالية للغرب بالنظام السياسي في سورية، وامتلاك نصاب فاعل للتأثير بقرارات الدولة السورية عبر هذا الدمج، واعتبار أمن الطاقة الى الغرب، بعد توقف سلاسل التوريد الروسية، الى مسؤولية شرق أوسطية، ومسؤولية سعودية بالتالي، تستدعي أولوية الاستقرار الإقليميّ، الذي باتت الحروب عبئاً عليه ووصفة فاشلة لضمانه، وباتت المظلة الأميركية عقبة أمامه، ومصدراً لاهتزازه، بينما تشكل التسويات مع إيران وقوى محور المقاومة وفي قلبه سورية ممراً إلزامياً لضمانه، ضمن معادلات وموازين القوى التي أسفرت عنها نتائج الحروب، وهذا يعني الانتظار لبنانياً لمرحلة ما بعد اليمن وسورية في الأولويات السعودية.
يكشف كلام مسؤول إيراني بارز عن مضمون الخيارات اللبنانية في مقاربة الاتفاق السعودي الإيراني، ما يفسّر الموقف السعودي، حيث دعوة لعدم المبالغة بالتوقعات التي يحملها الاتفاق لحلول سحرية ينتظرها البعض في الملف الرئاسي، ويمكن الإضافة من خارج نص الكلام الصادر عن هذا المسؤول الإيراني، أن التعقيدات السياسية والطائفية اللبنانية في المعسكر الواحد تشرح حجم ما هو محلي من الاستعصاء الرئاسي، كما يجب عدم إغفال كون الجماعات السياسيّة المحسوبة على السعودية هي في بعض وازن منها جماعات تستثمر على مظلة سعودية أميركية مشتركة، يمكن لتموضعها تحت المظلة الأميركية غير المرحّبة بالتسويات أن تعيد تشكيل المشهد على تعقيد جديد، لكن المسؤول الإيراني يؤكد أن لا مترتبات في نظر إيران وفي عيون حزب الله لأي تغيير في موازين القوى على المعادلات التي تحكم علاقات الطوائف منذ اتفاق الطائف، دون وجود مانع من حوار وطنيّ حول المضي قدماً بإصلاحات الطائف وفي مقدّمتها إلغاء الطائفية السياسية، وبالمقابل دعوة لعدم مقاربة سلاح المقاومة وفق الطلبات الغربية والأميركية خصوصاً، ولكن لا مانع من حوار حول هذا السلاح من موقع ما يسمّيه اللبنانيّون استراتيجية الدفاع الوطني، ويسمّيه المسؤول الإيراني، هل المقاومة وسلاحها حاجة لحماية لبنان؟ وهل من بديل لهذا السلاح في توفير هذه الحماية؟
يمكن القول إن اللبنانيين أمام خيارات، أن يحسنوا الاستفادة من المناخ الإيجابي للانفراج الإقليمي المرافق للتفاهمات، سواء السعودية الإيرانية، أو السعودية السورية، بتشكيل نصاب طائفي وسياسي كافٍ لانتخاب رئيس، دون تبلور مبادرات مباشرة سعودية أو إيرانية أو سورية منسقة بالانفراد أو مشتركة، أو أن ينجح الأميركي وتتكفل التعقيدات اللبنانية والعناد والنكد السياسي، بعض هذه التعقيدات بالحؤول دون تبلور هذه الفرصة، فينتظر اللبنانيون تبلور مساهمة قد تتولاها سورية بدعم إيراني وسعودي، لتقريب المسافات لصناعة النصاب السياسي والطائفي والنيابي اللازم لانتخاب رئيس، أو أن ينتظر لبنان أكثر حتى تنعقد طاولة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية بدعم مباشر من الرياض وطهران ودمشق ومساعدة من كل منها خلف الكواليس وأمامها، وربما تكون رعاية رئيس المجلس النيابي نقطة التقاطع المتاحة لانعقادها، تخرج بسلة متكاملة للتوافق بما يتيح انتخاب رئيس وتسمية رئيس حكومة وتشكيل حكومة، وانطلاق خطة نهوض سياسية واقتصادية.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً