أقلام الثبات
طغى الاتفاق السعودي الايراني الذي رعته الصين على كل ما عداه في المنطقة، حيث أدخل الصين الى المنطقة من باب الدبلوماسية وحفظ الأمن الواسع، وأظهرها دولة راعية للسلام بعدما اتُهمت الولايات المتحدة الأميركية لفترة طويلة بأنها رعت الحروب الطائفية والانقسامات المذهبية لصالح اسرائيل، ما أدى الى الفوضى التي سمتها كوندوليزا رايس "الفوضى الخلاقة" في محاولة لتبرير فشل سياسات نشر الديمقراطية التي قادتها إدارة الرئيس جورج بوش.
ولا شكّ ان الاتفاق سينعكس إيجاباً على الملفات والساحات ذات النفوذ المشترك بين الدولتين الاقليميتين، فالاقتتال بينهما حوّل بلدان متل اليمن ولبنان وغيرهما الى ساحات اقتتال بالوكالة بين الطرفين، واليوم سيحوّلهما الى مختبر تقاس فيه نتائج التسوية السلمية بين البلدين. بالنسبة للبنان، وبالرغم من أن العديد من المحللين حاولوا مبكراً استنباط ما سيكون عليه المشهد الرئاسي والحكومي بعد الاتفاق، فاعتبر بعضهم أن الوزير سليمان فرنجية سيكون الرئيس المقبل حتماً، بينما البعض الأخر اعتبر انه سيكون أول ضحية لهذا الاتفاق.
وفي هذا الإطار، من المفيد أن نعود الى الحراك اللبناني الذي سبق التسوية الاقليمية لنورد أنه بالرغم من أن السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه برّس كانا قد أعلنا سليمان فرنجية مرشحاً للثنائي، لكن كان من الواضح ما يلي:
- كان واضحاً في خطاب السيد حسن نصرالله أن تسمية فرنجية لم تكن مناسبة لفرضه فرضاً على الأطراف الآخرين وخاصة المسيحيين منهم، بدليل أنه أكد على وجوب "نصاب الثلثين" لانعقاد المجلس النيابي، الذي يعني وجوب مشاركة طيف واسع جداً من القوى السياسية وعدم تخطي الإرادة المسيحية الرافضة لفرنجية كما أعلن سابقاً الوزير السابق علي حسن خليل.
- كان واضحاً من الخطاب وما تلاه من تصريحات المسؤولين في الحزب أن المعادلة التي أعلنها الحزب هي كالتالي:
لقد اعلن الثنائي مرشحه، فلتقوم القوى الأخرى بإعلان مرشحيها وتعالوا لنتحاور. إذاً، هي دعوة للحوار والتفاهم والوصول الى تسوية حول إسم الرئيس وليس كما اعتبرها البعض بأنها دعوة لفرضه بالقوة. علماً أن موازين القوى النيابية لا تسمح بفرضه فرضاً على الأطراف الاخرى. هذا في سياق الخطابات والتطورات، أما في سياق التحليل، فنجد ما يلي:
- إن اتفاق السعودية وإيران برعاية صينية لا يعني بأي حال من الأحوال إخراج النفوذ الأميركي من لبنان أو القدرة على إنهائه.
- إن أي محاولة لإنهاء النفوذ الأميركي في لبنان ستكلّف لبنان الكثير من المصاعب واستمراراً للضغوط القصوى، لذا عملياً يمكن أن تقوم السعودية اليوم بدور الوسيط بين كل من النفوذين الايراني والأميركي ما يعطيها هامشاً لتوسيع نفوذها في لبنان، علماً أنها بالأساس تشكّل الضامن الاقتصادي لأي محاولة انقاذية بعد التسوية، لأنها قادرة على مساعدة البلد اقتصادياً أو خنقه عبر الاعتكاف الذي سيؤدي الى اعتكاف خليجي مماثل.
- إن انتخاب فرنجية رئيساً يعني انتصار إرادة طرف على الآخرين، ما يعني انتصاراً لمحور على آخر، وهو ما لن يتم السماح به ولو إعلامياً. لذلك إن استعجال ترشيح الثنائي لفرنجية قبل التفاهم الاقليمي بلحظات أضرّ بالرجل بدل أن يساعده.
- الاتجاه العام أن يكون هناك تسوية لبنانية دقيقة المعادلات، لا تسمح بأن يكون الرئيس المقبل محسوباً على طرف بشكل واضح، وإعادة تشكيل السلطة من الأشخاص غير المتهمين بالفساد ومن غير المتورطين مع رياض سلامة ، ومن غير الاستفزازيين... ما يعني أن معظم من يديرون السلطة اليوم، ومعهم نجيب الميقاتي لن يكونوا في المشهد السياسي الحاكم مستقبلاً.