الثبات – مقالات
الاستغفار معناه والمحاسبة استعداداً للقاء الرحمن
العلامة الحبيب عمر ابن حفيظ
في كُلِّ سَحَرٍ ينبغي أن يكونَ لكَ استغفار، وقبل كُلِّ غروبِ شمسٍ ينبغي أن يكون لك استغفار.. فأهملتَ ذلك حتى لم تبالِ بمرورِ الليالي والأيام فالأسابيع فالأشهر!
متى تتذكَّر!؟ متى تتبصَّر!؟
أيها المؤمن بالله: أحسِن مراجعةَ الحسابِ قبلَ يوم المآب؛ فإنَّ هناك ميزاناً يُوزَنُ فيه مثاقيل الذَّرِّ (ولا يُظلَمُ أحدا نقيراً ولا قطميراً ولا فتيلًا)، ﴿وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾.
ولقد جاء عن نبيِّنا أنه إذا هَلَّ هلالُ رجب قال: (اللهم بارِك لنا في رجَب وشعبان وبلّغنا رمضان) "بارك لنا في رجب وشعبان": يكون رجبٌ مباركاً لمَن اغتنمَ لياليَه وأيامَه، لمَن أقبل على ربِّهِ تعالى بالصِّدق، لمن لم يبقَ في بيتِه في شهر رجب قاطعُ رحم، ولا عاقُّ والدين، لمَن لم يبقَ في بيتِه في رجب صورٌ محرَّمةٌ مُزرِيَة تُنظَر في ليلٍ أو نهار! هذا الذي بُبارَك له في شهرِ رجب، هذا شهرُ رجبٍ مباركٌ عليه.
شهرُ رجب مباركٌ لمَن طهَّرَ قلبَه وطهَّرَ بيتَه مِن معصيةِ الإلهِ الجبَّار.. فأينَ البركةُ في رجب لمَن أصرَّ فيه على قطيعةِ رحم؟! أين البركةُ في رجب لمَن لم يبالِ في استعمالِ الأغاني الماجِنَة في مناسبةِ زواجِه وغيرِ مناسبةِ زواجه! مَن لم يبالِ باستعمالِ الآلاتِ المحرَّمة! مَن لم يبالِ بتَكديرِ خاطرِ مسلمٍ وأعظم إذا كان قريباً أو جارا!
أيها المؤمنون بالله: حاسبُوا أنفسَكم قبل أن تُحَاسَبوا ومهِّدوا لها قبل أن تُعَذَّبوا، فإذا أمتعَ اللهُ بأحدِكم وأمَدَّ في عمرِه حتى أدركَ رجب يجبُ أن يكونَ له حالٌ طيبٌ مع هذا الرَّبِّ في مراجعتِه لنفسِه فيما يصدرُ مِن أقوالِه، ونَظرِه، وحركاتِ جوارحِه، وصفاتِ قلبِه التي ينظر إليها ربُّه سبحانه وتعالى.
أيها المؤمنون بالله: يجبُ أن نُكثِرَ الاستغفار، ومعناه طلبُ المغفرة؛ وإنما يطلبُ المغفرةَ مَن أيقنَ بخطرِ الذنبِ وسوءِ عاقبتِه! نعم.. وهل مِن حقيقةِ خطرٍ إلا للذنوب والمعاصي في الدنيا وفي الآخرة؟ حقائقُ الخطرِ والضررِ والشرِّ في الذنوب والمعاصي، في نظراتِ الحرام، في كلمات الحرام، في الفواحش، في المجُون، في استعمالِ المخدِّرات والمسكرات.. الخطر في هذا خطر الدنيا وخطر الآخرة! شر الدنيا وشر الآخرة في معصيةِ الله ومخالفتِه!