العلم الحديث ومعرفة الغيب .. الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

السبت 11 شباط , 2023 02:14 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

العلم الحديث ومعرفة الغيب

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

 

كان هنالك، ولا يزال، جدل يمتد بين المنتصرين للعلم ومضمونه الحديث، وبين الغيارى على العقيدة الإسلامية أن لا تشوبها شائبة، وأن لا يتسرب إليها وهم باطل، كان ذلك ولايزال سمة جدل يثور بين هذين الطرفين، حول الكثير من المسائل التي كانت فيما مضى محجوبة عن حواس الإنسان بحجاب الغيب. ثم إن العلم الحديث كشف عنها الستر فيما يبدو، وأخضعها لحواس الإنسان.

كيف السبيل إلى التوفيق بين ما نعتقده ونجزم به، مما يدل عليه صريح كتاب الله، وبين هذا الواقع العلمي الذي يفرض نفسه والذي لا مناص من الإيمان به؟

أحسب يا سيدي أن في كتاب الله عز وجل آية أنهت هذا الجدل واللجاج، وعقدت صلحاً بين العلم الحقيقي، والعقيدة الصحيحة. بل أقول: إن هذه الآية أكدت صلحاً قائماً من الأزل بين العلم الحقيقي والعقيدة الإيمانية التي جاب بها الرسل والأنبياء.

هذه الآية هي قول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} {الأنعام:59}.

فكيف أنهت هذه الآية هذا الجدل؟

عندما نتأمل في المطلع الذي صدرت به هذه الآية، نجدنا أمام جملتين اثنتين، منهما يحصر مفاتيح الغيب في ذات الله عز وجل، الجملة الأولى أثبتت هذه الحقيقة عن طريق تقديم الخبر على المبتدأ، وتلك أداة من أدوات الحصر، كما هو معلوم، وهي {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} أي لا عند غيره.. أما الجملة الثانية، فقد شرحت وأكدت، ونصت على ما دلت عليه الجملة الأولى، وهي (لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ).

والمهم هنا أن نتبين كيف أن الضمير في {لاَ يَعْلَمُهَا} يعود إلى المفاتيح لا إلى الغيب، فالآية تقول {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ولا يعلم هذه المفاتيح أحد إلا الله عز وجل، وفي هذا دلالة عميقة ينبغي تدبرها، ويجب الوقوف عندها، لندرك كيف أن العلم والإيمان يتعانقان منذ الأزل، ولا ينفك الواحد منهما عن الآخر.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل