العالم في العقد الثاني من القرن .. بين “خريف العرب” وحرب أوكرانيا

الإثنين 30 كانون الثاني , 2023 09:30 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

تميز العقد الأخير من تاريخ البشرية منذ عام 2010 بأحداث لم يشهد مثلها عقد آخر في تاريخها وأهمها:

الربيع العبري الذي دعوه ربيع العرب وهو خريفهم. فالمخطط الجهنمي الصهيو- أمريكي مع أردوغان السلجوقي وتمويل الممالك العربية، الذي ضرب جمهوريات العرب في أواخر عام 2010 و بداية عام 2011، بدءا من تونس مرورا بمصر وليبيا واليمن وانتهاء بسورية، ولاحقا العراق والسودان ولبنان، يعتبر من أخطر وأذكى المخططات التي تعرضت لها شعوبنا العربية في المئة سنة الأخيرة. فالعدو الصهيو- أمريكي لم يدفع قرشا واحدا، ولا خسر جنديا واحدا، في كل ما حصل. بل اعتمدوا على حروب الجيل الخامس بجعل المجتمعات تدمر نفسها بنفسها من خلال استغلال النفوس المريضة ودعم الجماعات الإرهابية من مختلف دول العالم ،وخاصة في سورية الهدف النهائي لهذا الربيع، والتي استخدمت فيها كل أساليب الحرب القذرة تسليحيا، واعلاميا، ودينيا، واجتماعيا، ليسيطروا على المنطقة العربية من بابها الى محرابها وتقسيمها الى إمارات الطوائف بإشراف الصهيونية العالمية، لكي لا تقوم قائمة لهذه الأمة بعد مئات السنين.

لكن الشيء الذي لم يتوقعونه هو الصمود الاسطوري لسورية وقائدها على مدى 11 عاما في وجه هذه الهجمة، التي قل نظيرها. ولم يتوقع أحد في العالم (سوى أهل سورية وقيادتها) أن تصمد سورية أكثر من ستة أشهر ليتم السيطرة عليها وتقسيمها ، وكانت المفاجأة الكبرى التي أجهضت كل مخططاتهم وأنقذت الأمة والعالم المناهض لهم من ايران ، الى روسيا ، الى الصين من سيطرة مؤكدة الى مئات السنين. الطفرة التكنولوجية المعلوماتية الخطيرة على حياة البشر العادية. بغض النظر عن الفوائد الكبيرة للتطور المعلوماتي الشديد فضائيا، وارضيا، فهناك قوى عالمية تستخدم هذا التطور ضد البشر ومخاطر ذلك عظيمة. فأنت مثلا، من وراء مكتبك وأمام الكومبيوتر أو المحمول تستطيع أن تصنع الحدث في أي مجال كان، وخاصة في الحرب الاعلامية والغزو الثقافي وتنشره على العالم خلال ثوان على أنه حقيقة مطلقة، ولا يستطيع أحد أن يكتشفك إلا قلة من المتخصصين، الذين لا يستمع اليهم أحد. والسيطرة في هذا الأمر للدول الاستعمارية الكبرى وليس للشعوب المتلقية . وهذه الطفرة ساهمت في معرفة تحركات ونشاطات ومعلومات أي شخص يحمل جوالا حديثا ، كما مهدت للعملات الرقمية التي يسهل التحكم بها والشرائح الالكترونية لاعطائها للبشر وتدميرهم ذاتيا، وهذا له انعكاسات خطيرة على حياة الشعوب والدول الصغيرة وحتى الكبيرة غير المنصاعة لأوامرهم، والهيمنة وفرض العقوبات الجائرة عليها ومحاربتها بلقمة عيشها وهذا ما نعايشه يوميا.

أزمة الكورونا وحرب الجراثيم. لقد رافق ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19 المطور مخبريا)، الذي اندلع في مدينة يوهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 ،ستة مظاهر وإجراءات غير مسبوقة في تاريخ البشرية تشير الى قرارات الجنون في السيطرة والتحكم بالعالم وهي :

الظاهرة الأولى: التغطية الاعلامية غير المسبوقة لهذا الفيروس بحيث تجاوزت كل المعايير التي نعرفها من التضخيم والتخويف والابتزاز والافتراء .

الظاهرة الثانية: الحظر التام على التنقل وتشديد قيود السفر بطريقة جهنمية وايقاف حركة العالم بشكل مطلق لمدة تراوحت من ستة أشهر وحتى عشرين شهرا، سواء بين الدول أو بين مدن الدولة الواحدة، وذلك بزعم إيقاف انتشار الفيروس، ما أوقف حركة النقل وحركة الطيران العالمية وحدوث جمود وكساد اقتصادي عالمي رهيب وافلاس العديد من شركات الطيران والنقل في العالم ،حيث بلغت خسائر شركات الطيران حتى اكتوبر 2021 أكثر من 200 مليار دولار.

الظاهرة الثالثة: المتحورات العديدة السريعة للفيروس بدول محددة خلال فترة قصيرة جدا، بعشرات الطفرات، وأحيانا خلال الشهر الواحد كان يظهر أكثر من متحور.

الظاهرة الرابعة: انتشار عشرات اللقاحات ضد الفيروس وعدم اعتراف أمريكا ودول حلف الناتو بلقاحات الدول الأخرى، والتي بعضها أكثر أمنا من لقاحاتهم، وبالتالي لا تستطيع الذهاب الى أمريكا أو دول حلف الناتو إذا لم تتلقح بأحد لقاحاتهم رغم عدم اقتناعك بها ، أي أنهم يجبروك على ذلك. والسبب الأساسي في تقديري هو السيطرة على البشر ودعم لوبيات الأدوية العالمية، التي تَتَّخذ من مثل تلك الجوائح طريقًا لمراكمة رؤوس الأموال، في ظل رأسماليّة متوَحِّشة ونيو ليبراليّة باتت لا تُقِيم وزنًا للبشر. وقد ثبت ان اللقاحات الغربية في معظمها تؤدي إلى جلطات للعديد من حاملي هذه اللقاحات وخاصة على الشبان، وحاليا يوجد الكثير من اللغط في العالم حول هذا الأمر.

الظاهرة الخامسة: بزنس الأدوية واللقاحات والاختبارات لشركات الأدوية العالمية والمتعاملين معها من المافيات العالمية والحكام التي تجاوزت تريليونات الدولارات .

الظاهرة السادسة: الصدمات النفسية الجماعية العالمية للبشر، التي لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، وربما لم نتعرض لصدمة بهذه الشدة سوى في بلدان الربيع العربي (العبري) . وهذا يؤكد إن ما يجري من ارهاب بيولوجي هو عدوان على الانسانية جمعاء وعلى مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.

إن العالم لن يتحمل جائحة أخرى ولا أي وباء آخر. ويبقى الأمل بنجاح روسيا والصين في تعطيل ذلك الاعتداء الهمجي الممنهج على الانسان. وبعد أن حققوا أهدافهم التي خططوا لها لم يعد أحد يسمع بهذا الفيروس في الاعلام رغم أن الفيروس ما زال موجودا.

المثلية الجنسية وتحول العالم الغربي الى قوم لوط. ما كان ممنوعا، ويوضع صاحبه في السجن أو يعدم في القرن الماضي، أصبح الآن مقوننا ومرحبا به في معظم دول الغرب . تسير البشرية في عالمنا المعاصر نحو الهاوية بوتيرة متسارعة، والمفسدون في الأرض لم يكتفوا بنشر الإباحية في العالم، بل يسعون بسرعة الى نشر الشذوذ الجنسي، والضغط من أجل الاعتراف به كحق من حقوق الإنسان، وتطور الأمر الى محطة اشتهاء الأطفال وممارسة الجنس معهم ، ويعلمون الأطفال ذلك في المدارس .

الشذوذ الجنسي فيه مخالفة صريحة للفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، والمتأمل في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى يجد أن عقوبة الشذوذ الجنسي ومخالفة الفطرة قاسية ورادعة، لبيان عظم وشناعة الجرم الذي يرتكبه الشواذ الذين يتركون ما أحله الله عز وجل.

وسبق نشر الشذوذ الجنسي في العالم ،إعلان الحرب على الأسرة وتقديس الفردية، وهذا ما تعمل عليه الليبرالية الحديثة . والشذوذ الجنسي انتقل من مرحلة الدفاع عن المثلية الجنسية إلى مرحلة قوننة الشذوذ الجنسي والاعتراف به ،فقد أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمًا تاريخيًا الجمعة 26 يونيو/حزيران 2015 يقضي بمنح الحق للمثليين جنسيًا بالزواج في كافة الولايات الأميركية، وهو الحكم الذي وصفه الرئيس باراك أوباما بأنه انتصار لأميركا وانتصار للحب!

ووفقًا لدراسة أجريت في الولايات المتحدة، وامتدت بين عامي 1990 و2014، وصل عدد مؤيدي زواج المثليين إلى 49% من بين جميع المواطنين في الولايات المتحدة الأميركية، بينهم 63% من المراهقين والغريب في الأمر بأنه في الوقت الذي يرفع فيه الغرب شعار الحريات ويتغنى بأنه واحة الحرية في صحراء يملأها القهر؛ يمنع عليك أن تكون ضد المثلية الجنسية، مثلما يمنع عليك أن تنتقد المحرقة اليهودية وتوضع في السجن مع الغرامات.

وقد قال الكاتب البريطاني الماركسي برندان أونيل بتاريخ 20 مايو – 2022: "يبدو لي أن الاعتزاز بالمثلية لم يعد يتعلق بالاحتفال بحرية المثليين بل أصبح عربدة معولمة". لقد أصبح ارتداء المرء شعار مجتمع الميم هو الطريقة المثلى التي يرسل بها رسالة للمجتمع مفادها “أنا مواطن صالح، وأتبنى وجهات النظر السائدة”، وبالتالي، يُنظر إلى أي شخص يرفض دعم المثلية بهذه الطريقة باعتباره مشتبها به، وأنه شخص يحتاج إلى إعادة التثقيف، وهناك الآن 16 دولة اوروبية، اضافة الى أمريكا واستراليا ونيوزيلندا، يعد زواج المثليين فيها قانونيًا، وهناك دول أخرى تسعى لاستصدار قوانين مشابهة .هذا هو حال الغرب المثلي اليوم والأمور تسير نحو الهاوية .

التغيرات البيئية الشديدة على مستوى العالم والتطرف المناخي العنيف بسبب الاحتباس الحراري الناتج عن الأنشطة البشرية السلبية التي لم تقم أي معيار للطبيعة وقوانينها ،فكثرت الكوارث الطبيعية بكل أنواعها من الفيضانات، الى الجفاف الى الزلازل والبراكين، الى ذوبان جليد الأقطاب والجبال ، الى التلوث المائي للينابيع والمسطحات المائية على اليابسة وفي البحار، وتلوث الغلاف الجوي بكل ملوثات النشاط البشري وخاصة ثاني أكسيد الكربون في التروبوسفير والأوزون، في الستراتوسفير والتلوث في الترب الذي يؤدي الى ضرب المحاصيل الزراعية، والتي ساهمت فيها الحروب أيضا، بشكل كبير.

الحرب في أوكرانيا بين الناتو والروس لقد كتب الكثير عن الحرب في أوكرانيا التي بدأت في ٢٤ شباط من العام الماضي، التي أجبر اليها الروس بسبب الضغط الأمريكي الغربي لضم أوكرانيا لحلف الناتو ومحاصرة روسيا في عقر دارها، لذلك لن أتوسع في شرحها، أشير فقط إلى :

لقد استخدم في هذه الحرب كل أنواع الأسلحة واشتهر فيها حرب الطائرات المسيرة والتي كنت قد أشرت الى اهميتها الكبرى في الحروب القادمة منذ عام 2018 .

لقد شنت على روسيا في هذه الحرب كل أنواع المعارك من ارسال كل أنواع الأسلحة الغربية الى اوكرانيا وتجاوزت المساعدات الغربية 150 مليار دولار ، الى الحرب الاقتصادية وفرض كل أنواع العقوبات عليها التي تضررت منها اوروبا أكثر من روسيا ذاتها ، إلى الحرب الاعلامية الشرسة التي استخدمت فيها كل وسائل التضليل الاعلامي الحديث ، الى الحرب الثقافية والنفسية والتخويف والتضليل والدجل الذي لم يسبق له مثيل سوى على سورية.

ونشهد يوميا، تصعيدا، خطيرا، من قبل الغرب في هذه الحرب من خلال دعم النازيين الجدد بكل الوسائل، وآخرها الدبابات الالمانية والأمريكية والباتريوت الأمريكي . ومع ذلك تسير روسيا بخطى ثابتة لتحقيق الأهداف الموضوعة وإعادة التوازن الى العالم الذي انهار عام 1991، بالتوازي مع الصمود السوري الاسطوري والذي كان الحجر الأساس في إعادة هذا التوازن للعالم من جديد بالرغم من كل المآسي والخراب والتدمير الذي سببه هذا الغرب الاستعماري المتعجرف لشعوبنا وشعوب العالم . هذا ما تميز به العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، فهل العقد الثالث سيكون أفضل ؟ لا أعتقد ، بل سيكون أسوأ على العالم إذا لم تنتصر الشعوب والقوى المناهضة للإمبريالية العالمية بزعامة روسيا والصين .

بقلم د. محمد رقية


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل