وحدة المسيحيين، بين خيبة السياسة وهيبة الدين... ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 25 كانون الثاني , 2023 08:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"زارنا البطرك"، عبارة يتمّ استخدامها في لبنان لكل ضيفٍ صاحب مقامٍ عالٍ من باب الترحيب به، مع ما يكنُّه الشعب اللبناني من احترامٍ للمقامات الدينية، ولو أن الزعامات السياسية والإقطاعية قد اختطفت من رجال الدين "وهج الملقى" لدى شريحة البسطاء الطيبين من شعبنا الذين لا يستحق طيبتهم معظم رجال الدنيا والدين في لبنان.

منذ نحو عشرة أيام، وبحُكم تجاور منزلي مع كاتدرائية في إحدى بلدات المتن، حصلت جلبة غير عادية في المحيط وحركة استثنائية للشرطة البلدية بهدف إزاحة السيارات وإعداد الساحات لحدثٍ هام، وعند السؤال قيل لي: أنه احتفالٌ بمناسبة افتتاح "أسبوع الوحدة بين المسيحيين"، وفعلاً، حضرت شخصيات دينية على رأسها بطاركة ومطارنة ورهبان وراهبات، مع حضور سياسي من الدرجة الثالثة.

أكثر ما لفتني، هي وجوه المؤمنين الذين يتوقون الى توحيد الأعياد خصوصاً عيد الفصح، إضافة الى طقوس الصلوات، ما يُساهم في تقارب أبناء البلدة بعضهم الى بعض، كما قال لي أحد أبناء البلدة، لكن الاحتفالية على بهرجتها وهيبتها، تشبه الفولكلور التقليدي إن لم نقُل الاستعراضي، لأن وحدة المسيحيين مُعضلة مطروحة على طاولات كبار رجالات الطقسين الغربي والشرقي في العالم، ولم يكُن بين الحاضرين لا البابا فرنسيس ولا البطريرك الروسي!

وبصرف النظر عن مستوى اللقاءات ذات الطابع الروحي أو الديني، سواء بين الطوائف المسيحية فيما بينها، أو الطوائف الإسلامية فيما بينها، في إطار تقريب الرؤى والسعي الى الوحدة، أو بين المسيحيين والمسلمين ضمن سلسلة حوار الأديان والحضارات، فإن المشكلة أن أي حوار إيديولوجي أو ثيولوجي لم يعُد يعني الناس بتفاصيله، لأن البطون الجائعة والأمعاء الخاوية- خاصة في لبنان- قد اختطفت عقول الناس من آفاق التبادل الفكري الى حياة المقايضة التجارية بهدف الاستمرار على قيد الحياة.

وبقدر ما أن هذا الحوار بات معقداً على مستوى السلطات الدينية العليا في العالم، فإن ظروف الحياة المعيشية جعلت المؤمنين البسطاء في لبنان في منأى عن الدخول فيه، لأنه لا يُسمِن ولا يُغني عن جوع، ومَن يرى أن الحوار بين أبناء الديانة الواحدة في البلدة الواحدة يؤسس لتقارب اجتماعي، يفعل ما فعله أبناء ضهور الشوير على سبيل المثال، حيث توافقوا منذ سنوات على توحيد عيد الفصح في بلدتهم، ويحددون بأنفسهم تاريخ الاحتفال دون الحاجة الى مرجعيات دينية وقيادات معسكرات مذهبية، وهذا مثال عن عزمٍ لدى الناس لتيسير وتسيير أمور باتت اجتماعية أكثر مما هي دينية، وكل ما احتاجوه في بلدة ضهور الشوير أن كل فريقٍ منهم ابتعد عن التزمُّت ليتقارب من الآخر.

لا نأخذ هذا المثال باستهانة، لأن "اللامركزية المتحررة" باتت مسألة تلقائية لدى الناس في كل مناحي حياتهم، وهي لم تعُد فقط عقائدية وسياسية، بل حياتية بكل جوانبها، خصوصاً عندما تغدو الرؤوس الدينية والسياسية والحزبية بعيدة عن همومهم ومصائبهم، إذ كيف لهم رجاء الأمل بتحقيق شيء من قياداتهم، وخصوصاً المسيحيين منهم، والبطريرك لديهم -أي بطريرك- عاجزٌ عن جمع قياديَّين سياسيَّين إثنين على فنجان قهوة!

نكتفي هنا بالحديث عن وحدة المسيحيين في لبنان، لأن الشيعة في الغالب قد انضووا تحت لواء قيادتيّ "الثنائي الشيعي" وخلفهم انضوت قياداتهم الدينية، وكذلك الأمر بالنسبة للدروز، مع وجود شيخيّ عقل لا يُعارض أياً منهما قرارات المرجعيتين السياسيتين سواء في المختارة أو خلدة، وحال السُنَّة اليوم أنهم يلجؤون الى دار الفتوى في رحلة بحثهم عن زعامة سياسية تملأ فراغ "بيت الحريري"، لكن وضع المسيحيين بلغ حدود الماَسي، وسط انقسام سياسي عميق ونهائي، وليس لدى أية مرجعية دينية أو دنيوية القدرة على جمعهم حتى الآن، ليبقى هذا الوضع على ما هو عليه، بانتظار العودة من رحلة الكُفر بصيغة الطائف، والعودة الى الشراكة الوطنية عبر وثيقة التفاهم الفريدة والوحيدة التي صمدت 17 عاماً ولا بديل عنها، لأن الغالبية الساحقة من المسيحيين تنظر إلى لبنان وطناً نهائياً يستحيل العيش فيه من دون شراكة الآخر على قاعدة الندِّية الإنسانية واحترام الوجود..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل