الطغمة المالية والسياسية والمصارف وأزمة لبنان ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 17 كانون الثاني , 2023 11:48 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يروي رجل أعمال لبناني قضى الشطر الاكبر من عمره يسعى ويجد في دنيا الله الواسعة، انه حين عودنه الى لبنان جاءته العروض المغرية من العديد من المصارف اللبنانية، ليوظف او يودع امواله في خزائنها، لكنه لم يقع في فخ اغراءتها ورأى في عروضها ما يثير الشك والريبة، فاتخذ قرارا في استثمار جنى عمره وعمله وسهره وكده وتعبه في القطاع الفندقي، وعليه اشترى فنادق واستثمر البعض الاخر، رافضا كل الاغراءات المصرفية التي يسيل لها اللعاب، مكتفيا بتعاملاته المصرفية ايداع ما تتطلبه فنادقه من مصاريف كأجور الموظفين والمستخدمين والمصاريف التشغيلية الشهرية.

ربما كثيرون غير هذا الرجل انتبهوا لهذا الامر، لكن الأكيد ان الكثير الكثير من اللبنانيين من مغتربين ومتقاعدين وموظفين، إضافة الى عرب واجانب سقطوا في فخ الاغراءات، وهم الان ينتظرون لحظة فرج عن جنى أعمارهم او بعضه على الأقل.

على مدى عمر لبنان منذ الانتداب الفرنسي حتى الآن، كان ثمة تمثيل للمصارف في معظم الحكومات اللبنانية التي قامت، وكما يؤكد وزراء في مختلف المراحل أنهم كانوا يتفاجؤون أن المصارف كثيرا ما كانت تعلم بمقررات مجالس الوزراء، قبل الوزراء. وبالعودة الى التقرير السنويّ الأوّل الذي أصدرتْه جمعيّةُ المصارف في العام ١٩٥٩ تؤكّد أنّ أحدَ الدوافع الرئيسة (المادّة ٢ من النظام الأساسيّ) هو "تأمينُ الدفاع الجماعيّ عن مصالحهم [أيْ مصالح الأعضاء] المهنيّة، ولهذه الغاية تأمينُ التمثيل الجماعيّ لأعضائها لدى الإدارات العامّة أو غيرها."وبكلامٍ آخر، كان من أولويّات الجمعيّة إنشاءُ لوبي مصرفيّ يؤثّر في سياسات الدولة وقراراتها، ويقف في وجه أيّة قوًى أخرى تعارض هذه المصالح.

وبحسب وثائقِ مرحلة التأسيس،فقد عارضت الجمعيّةُ في سنواتها الأولى الجهودَ الرسميّةَ لتنظيم القطاع المصرفيّ. بل يمكن القولُ إنّها أُنشئتْ لتنظيم هذه المعارضة وتفعيلها. وهي أيضًا وقفتْ في وجه المسوّدة الأولى لقانون الضمان الاجتماعيّ، وسَعَت إلى كمّ أفواه الصحافة عبر اتفاق لفرض الرقابة على المقالات التي تنتقد القطاعَ البنكيّ ــ وهو اتّفاقٌ عقدتْه مع نقابة الصحافة نفسها، وبرعاية رئيس الجمهوريّة حينها شارل حلو.

بأي حال هل ان لبنان بمساحته الصغيرة وعدد سكانه الذي لايتجاوز ال6 ملايين نسمة بحاجة الى 63 مصرفا لها مئات الفروع ، حيث بلغ إجمالي عدد فروع المصارف التجارية اللبنانية في لبنان وفي الخارج 881 فرعًا في نهاية حزيران 2022، مقارنة بـ946 فرعًا في نهاية العام 2021، و996 فرعًا في نهاية حزيران 2021، و1,120 فرعًا في نهاية حزيران 2020. علاوة على ذلك، وصل عدد فروع المصارف المتوسطة والطويلة الأجل العاملة في لبنان الى 21 فرعًا في نهاية حزيران 2022، دون أي تغيير عن نهاية حزيران 2021 و حزيران 2020. في موازاة ذلك، بلغ عدد فروع المصارف التجارية اللبنانية في الخارج 51 في نهاية حزيران 2022، مقارنة ب53 فرعًا في نهاية العام 2021، و في نهاية حزيران 2021. وقد وردت هذه الأرقام في التقرير الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة بنك ييبلوس ( Lebanon This Week).

في ظل الادارة المتحكمة في مصرف لبنان منذ 30 عاما ، والسياسات المالية والنقدية وسياسية المديونية العامة المتبعة التي كان الخبراء الاقتصاديون يحذرون منها وانها ستؤدي الى الكوارث ، وصل لبنان ومصارفه وبنكه المركزي الى الجدار السميك ، الذي يدفع اللبنانيون الاثمان الغالية من جرائه.

فمنذ العام 2019 يعاني القطاع المصرفي في لبنان بشدّة، مخلّفا مستقبلا مجهولا وغامضا لمقرضي البلاد، في وقت يريد المودعون معرفة مصير جنى أعمارهم، بينما السياسيون في البلاد عاجزون عن توفير الحلول اللازمة، وبالتالي يلقى اللوم عليهم في المأزق الذي وصل إليه لبنان، بسبب الفساد وسوء الإدارة التي أدّت إلى الانهيار، وفشل مساعي الإصلاح، بحسب خبراء ومراقبين. ويُعدّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي مطلبا رئيسيا لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته المالية التي أصابت البلاد بالشلل.

ومن المرجح أن تجبر الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد غالبية البنوك في البلاد على الإغلاق أو الاندماج. ووفقا لـ «الدولية للمعلومات» عام 2019 فان عدد المصارف في لبنان يبلغ 63 مصرفا، فهل يحتاج لبنان قياسا مع مساحته وعدد سكانه وناتجه المحلي الذي كان يقدّر بنحو 58 مليار دولار الى هذا العدد الكبير من المصارف؟

إن عدد المصارف في لبنان وعددها في بعض الدول مقارنة بعدد السكان وبالناتج المحلي يظهر فائضاً في عددها ، وأن لبنان قد لا يكون محتاجاً إلى هذا الكم من المصارف، وبالتالي نحن بحاجة إلى ورشة مالية لتقليص عدد هذه المصارف. ووفقا لإحصائية لـ «الدولية للمعلومات»، فإن عدد سكان المملكة العربية السعودية أكثر من 34 مليون نسمة، وناتجها المحلي السنوي أكثر من 770 مليار دولار، بينما عدد المصارف فيها هو 30 مصرفا.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من عشرة ملايين نسمة وناتجها المحلي السنوي أكثر من 433 مليار دولار، بينما يبلغ عدد المصارف العاملة فيها نحو 49 مصرفا. مصر: يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدّر بأكثر من 250 مليار دولار، بينما عدد مصارفها يبلغ 37 مصرفا. فرنسا: يبلغ عدد سكانها أكثر من 66 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدّر بأكثر من 2795 مليار دولار، بينما عدد مصارفها يبلغ 28 مصرفا.

بريطانيا: يبلغ عدد سكانها أكثر من 67 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدّر بأكثر من 2809 مليار دولار، بينما عدد مصارفها يبلغ 10 مصارف. تونس: يبلغ عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدر بأكثر من 42 مليار دولار، وعدد مصارفها يبلغ 19 مصرفا. سويسرا: يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدر بأكثر من 710 مليار دولار، بينما عدد مصارفها يبلغ 13 مصرفا. تركيا: يبلغ عدد سكانها أكثر من 82 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدر بأكثر من 713 مليار دولار، وعدد مصارفها يبلغ 13 مصرفا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل