مواقع التواصل، ومحاذير الحروب الإفتراضية... ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 11 كانون الثاني , 2023 08:48 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس لبنان مسرحاً للحرب السيبرانية، ولا يمتلك ما يستحق أي هجوم معلوماتي يُذكر، لكنه قد يكون في طليعة البلدان الناشطة على مستوى الحروب الإعلامية التي تندلع خصوصاً على المواقع الإلكترونية عند كل استحقاق، وتكفي تغريدة على تويتر من أي زعيم أو قائد، لتشتعل مواقع التواصل بكل القذائف النابية، ومع كل الإحترام للفئات الشبابية وللدماء الحامية، فإن التفاعل على هذه المواقع قد تخطى الأحمر أحياناً في سجالات لا تنتهي.

الجديد في الأمر، أن "العونيين" قد دخلوا "الحرب" حديثاً، رغم أنهم إجتازوا المعمودية القاسية التي عاشوها على مدى ست سنوات من عهد الرئيس ميشال عون، وحافظوا على وجودهم السياسي والشعبي ضمن المعادلة الوطنية رغم كل الحروب الإعلامية الحاقدة التي تعرضوا لها، وأهم نصر حققوه، أن العوني بقي عونياً وأن رئيسهم وقائدهم الملهم أعطى خلال عهده ما استطاع في محاولاته لبناء الدولة من جهة، ورفض الإنسجام مع "المزارعجيي" من جهة أخرى، لا بل دقّ الأسافين في كل وكرٍ من مغارة علي بابا، بانتظار أن تحترم المؤسسات الرقابية والقضائية نفسها وتقوم بواجباتها، والعونيون الذين خاب أملهم ببعض شركاء الحكم، انزلق بعضهم بعد انتهاء ولاية الرئيس عون إلى مواقف إنفعالية قد تكون مبررة، لكن هذا لا يعني أن مسلكيتهم في أدبيات التخاطب غدت ميليشيوية لا سمح الله، أو أنهم انحرفوا الى حيث المتاريس التي لا تليق بهم.

لذلك، أي إشكال أو سوء تفاهم إعلامي على مستوى بعض مناصريّ حزب الله والتيار الوطني الحر نعتبره من المحظورات، من باب الحرص على "وثيقة التفاهم" كتحالف مُستدام ديمومة الشراكة الوطنية، وهناك مَن أقروا أن الإشكال الأخير الذي حصل، هو نتيجة التباين في وجهات النظر حول انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال، بين مَن اعتبرها دستورية ومُحاكية للواقع المعيشي ما يُحتُِم انعقادها، وبين مَن اعتبرها غير دستورية ومحاولة لوضع اليد على الكرسي الشاغر في رئاسة الجمهورية.

نخبة واعية من العونيين شجبت تسطيح معنى الوثيقة، واعتبرت انزلاق مجموعة من الشباب الى سجالات حروب افتراضية مع "الشركاء الإستراتيجيين" عبر مواقع التواصل مسألة غير مجدية، ولا تنسجم مع روحية التلاقي على مستوى القيادات العليا للحزب والتيار.

وجهة نظر هذه النخبة تناولت النقاش الهادىء من ناحيتين:

الناحية الأولى، أن وثيقة التفاهم قد تفرملت عند البند الرابع الذي يلحظ مسألة بناء الدولة، وأن العراقيل التي حالت دون تطبيق هذا البند خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عهد الرئيس عون، لا يتحمل مسؤوليتها الحزب والتيار وحدهما، وأن بعض الشركاء الآخرين في السلطة السياسية بالتكافل والتضامن مع بعض الخارج الإقليمي والدولي، رفضوا السماح بتحقيق أي إنجاز في عهد رئيس حليف للمقاومة، وأن الحزب قد قام بواجبه لجهة تكوين الملفات اللازمة بشأن مكافحة الفساد ورفعها الى أعلى السلطات الرقابية والقضائية وكذلك الى لجنة الإدارة والعدل النيابية، وبدوره فعل التيار من خلال القوانين والتشريعات الناظمة لجهة تمكين الدولة من بناء مؤسساتها واستثمار خيرات البلاد.

الناحية الثانية من وجهة نظر هذه النُخبة من التياريين، أن لبنان في هذا التوقيت بالذات بحاجة لوثيقة التفاهم أكثر من أي وقت، أولاً لضمان وصول رئيس قادر على استكمال ما بدأه الرئيس عون، تدعمه المقاومة ولا يطعنها، وهذا الأمر يجمع التياريين مع الحزب، ثانياً لأن سلاح المقاومة اليوم هو ضمانة الحقوق اللبنانية بعدما تمّ ابرام إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي وبدء نشاط شركات الإستكشاف والتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، مما يعني أن الإستحقاقات المقبلة يجب أن تفرض نوعاً من الوعي الإستثنائي وعدم هدر وقت قيادتي الحزب والتيار في معارك وهمية وحروب إفتراضية إنفعالية بين مناصريّ الفريقين، في الوقت الذي يُحتِّم إنضباط القواعد لصالح القيادات كي "ترى شغلها" بهدوء من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أدبيات التخاطب الإنفعالي الغريبة عن تنشئة شباب الحزب والتيار لا يجب أن ينساق إليها جماهير الفريقين، وأن المعالجات على مستوى القيادات يجب أن تحصل بعيداً عن الإعلام كي لا يُفسد المأجور منه نقاش الأمور الوطنية الكبرى، وكي لا تدخل الطوابير الخامسة وما أكثرها الى مواقع التواصل...

هذه النخبة من التياريين أو العونيين، تقرأ الظروف بواقعية، وتتقاطع مع ما أعلنه السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير حول العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بقوله: "إنّنا حريصون على معالجة الاشكال بيننا وبين التيار الوطني الحر بالتواصل، وحريصون على العلاقة". وأضاف: "بعض حلفائنا وأصدقائنا يناقشوننا في العلن وينتقدوننا في العلن، ونحن لا نفعل ذلك لأننا نفضل النقاش الداخلي والانتقاد الداخلي. من هذا المنطلق، اخترنا نموذج العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله في مقاربتنا للسجال الإعلامي ، خصوصاً على مواقع التواصل، هذا النموذج الذي نتمنى أن يبقى نهجاً في حرية الإختلاف الذي يمنع الخلاف، ولدينا ما يكفينا من أبطال الحروب الإفتراضية من سياسيين أو إعلاميين، سواء كانوا من أهل "الكلأ الأخضر" أو مَن يتبعهم من جماعات الفتات، وحبذا لو يُثبِت مناصرو التيار الوطني الحر وحزب الله أنهم جديرون أن يكونوا نموذجاً وطنياً بعيداً عن مزارع الميليشيات، وبعد 16 سنة من وثيقة تفاهم وطني بين أكبر طرف إسلامي على الساحة الشعبية وأكبر طرف مسيحي في الساحة المقابلة، فإن الحديث عن أن أياً منهما يبحث عن بديل هو من قبيل الوهم والكذب والتضليل، ولا تستطيع حتى قيادات الطرفين العبور فوق العواطف الجماهيرية والسماح لنفسها العبث بها...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل