طبخة الرئاسة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 16 كانون الأول , 2022 12:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يتسابق المرشحون لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، كفراشات تجذبها أشعة نار محرقة، أكثر مما هي ضوء منير، لكن المناصب غرارة. والعجب ممن يزاحم ليحمل مسؤولية بلد تثقله ديون، تفوق المائة مليار دولار أميركي؛ وشعب ينوء من جرائم حكامه، الذين أفقروه ونهبوه وصادروا أمواله وهربوها إلى الخارج؛ وتركوه فريسة للتجار والمحتكرين ومستغلي الفرص. فيما تغيب البرامج والأفكار الجدية، عن أسماء من يتنطحون لتبوء هذا المنصب، تحت حجج شتى.

ويتفق اللبنانيون على أن الخارج يعين لهم رؤساء جمهوريتهم. وأن مجلس النواب ليس سوى أداة إخراج مسرحي للقرار الخارجي. وأن دور اللبنانيين الممكن هو تسجيل الإعتراض وليس فرض إسم الرئيس. من هذه الزاوية، تسعى الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية، لإيصال رئيس للجمهورية ينفذ لهما مطالبهما في لبنان: حصار المقاومة أوالتخلص منها؛ وضم لبنان إلى عديد الأنظمة العربية المطبعة مع العدو "الإسرائيلي"، التي تستبدل شعار العداء للغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويهددون كل جوارها العربي والإسلامي، بالعداء المصطنع لإيران ولكل من يعادي المشروع الصهيوني، المدعوم من أميركا والدول الغربية وأتباعهم. وكذلك إستغلال لبنان لمواصلة الضغط على سورية، في موازاة الحصار والحرب المالية والإقتصادية العلنية، التي تشنها الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية على اللبنانيين، لكسر ممانعتهم في الخضوع للأمر الواقع "الإسرائيلي".

وتبدو خيارات اللبنانيين ضيقة جدا، بل هي معدومة، في تفضيل مرشح على آخر، فشعارات الإصلاح والتغيير التي رفعت قبل ست سنوات، تبين أنها غير قابلة للصرف، لأسباب تتعلق بالحامل والمحمول. وتغيير النظام القائم، على فساده، حلم بعيد المنال، لأن ركائزه أقوى بكثير من قدرة شعب مشتت إلى ثماني عشرة طائفة وعشرات الأحزاب، يقودها زعماؤها كما يقود الراعي قطيعه. لذلك نرى سيل الهجرة والإغتراب هو مهرب اللبنانيين من هذا الواقع، منذ أن ظهرت فكرة صناعة هذا الوطن، بدءاً بنظام المتصرفية وحتى يومنا هذا.

وتشهد هذه الأيام عملية حرق لأبرز الأسماء، المتداولة في أندية السياسة ومراكز الإيحاء الخارجي، ليكون منها الرئيس العتيد، حيث يسجل المعترضون مواقفهم، لتؤخذ في الإعتبار عند حصول توافق دولي وإقليمي على "حمال الأسية"، الذي يريد منه كل طرف خارجي وداخلي، أن لا يشاغب على أجنداته ولا يفتح الأعين على شبكة مصالحه. طالما أن صلاحية الرئيس منذ إتفاق الطائف باتت مجال أخذ ورد.

ومثلما فتحت نيران إعتراض البعض على الوزير السابق سليمان فرنجية، باعتباره صديقاً وحليفاً لسورية والمقاومة، خصوصاً أن سورية لم تستعد بعد دورها وعافيتها. كما تأكد للقاصي والداني أن سعي قائد حزب القوات، سمير جعجع، للوصول إلى قصر بعبدا، هو أمر مستحيل، خصوصاً بعد فشله في تثبيت أنه الماروني الأقوى في بيئته. وما فشلت فيه "إسرائيل"، بجيشها وجبروتها، بترئيس قائد جعجع، بشير الجميل، لن تنجح فيه المملكة السعودية. كما أن المعارضة واسعة جداً، لمجرد طرح إسم رئيس التيار العوني جبران باسيل لمنصب الرئاسة، لأسباب شتى، أبرزها عدم تكريس توريث هذا الموقع. من دون تجاهل ترشيح ميشال معوض، الذي يبدو أنه لتقطيع الوقت لا أكثر، إذ أن عدد أصوات مؤيديه يتراجع مع كل جلسة لمجلس النواب. لذلك يحاول نافذون تركيز الأنظار على شخص قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يحمل معه عبء سياسات وإرتباطات رسمية، تشكل له نقاط قوة، كما أنها أسباب تدفع كثيرين لرفضه واعتراض طريق وصوله إلى كرسي بعبدا.

فقائد الجيش، المعروف بعلاقاته الوطيدة بالإدارة الأميركية وبسفارتها في لبنان، يراه البعض مرشح الأميركيين والسعوديين لموقع الرئاسة اللبنانية، مما يخلق جبهة إعتراض تلقائية في وجهه، لا تبددها إلا تعهدات قد يقدمها للمعترضين، ستكون سبباً وحجة لدى آخرين لمعارضته. كما أن التعهدات التي نكص عنها الرئيس الأسبق ميشال سليمان، لا تشجع على الدخول في مثل هذا الخيار. فيما شريحة وازنة من الطامحين إلى موقع الرئاسة الأولى، ترفض مع كثيرين، تكريس موقع قيادة الجيش كمعبر للوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية. ومن خصوصيات الرئاسة اللبنانية الأولى، أن كل لبناني ماروني يعتبر نفسه "مرشحاً طبيعياً" لهذا المنصب، فيبدأ بحملات شيطنة وتخوين كل من يرى فيه خصماً يسابقه إلى هذا الموقع. ويبحث له عن أسباب وذرائع تخسره أرجحية فوزه في هذا السباق. فيصبح حصر حق الوصول إلى الرئاسة بمن يتبوأ منصب قائد الجيش، إعلان حرب على كل المسترئسين.

والسؤال البديهي، أمام هذا الواقع، أن الرئيس الجديد هل سيكون رئيساً لكل لبنان، أم رئيساً لقسم صغير منه، طالما أن دعوات الفدرلة والكنتنة والتقسيم المقنع، ترتفع من داخل البيئة المسيحية عموماً والمارونية خصوصاً. وفي حين تدعو أطراف لبنانية إلى التحاور للوصول إلى أسم يرضي الأطراف الأساسية ويهدىء هواجسها، ترفض جهات أخرى مجرد الحوار حول هذا الشأن، مما يبقي الإنتخابات الرئاسية داخل عدّاد جلسات الإنتخاب الشكلية، التي بلغت عشر جلسات وقد يتضاعف عددها، طالما أن لا هدايا مجانية في السياسة؛ ولا نية في التفاهم، بل إصرار ومعاندة قبل وصول التعليمات من الخارج.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل