مقالات مختارة
لم يسجل في تاريخ الصراع بين لبنان والعدو الإسرائيلي أن أقدم حزب الله، اللبناني الهوى والهوية، على استخدام مرافق الدولة (المدنية والعسكرية) لأعماله اللوجستية، تحديدا مطار الشهيد رفيق الحريري أو مرفأ بيروت والمرافئ البحرية الأخرى.
إن معظم الوقائع والمعطيات تؤكد أن كل ما يتهم به الحزب في هذا الصدد غير مدمغ بدلائل ووقائع، وهو جزء من محاولة لمحاصرة الحزب إعلاميا وشعبيا خاصة لدى الرأي العام اللبناني المناوئ له سيما في هذا التوقيت بالذات والذي يشكل محطة استقطاب سنوية لمناسبة الاعياد، للسواح كما للمغتربين على حد سواء.
إن عدم إقدام الحزب، ومنذ نشوئه، على استخدام تلك المرافق يعود إلى أسباب عدة منها عدم تعريضها للعدوان الاسرائيلي لاعتبار أن المقاومة مرت بمراحل شتى حتى تمكنت من امتلاك القدرة التي تمنع العدو من شن ضربات داخل لبنان ومنها استهداف البني التحتية. ولا زالت تحيدها.
في مقابل ذلك، يسجل التاريخ ان الكيان الاسرائيلي لم يكن يحتاج إلى ذرائع لاستهداف البنى التحتية، كما فعل قبل التحرير عام ألفين عندما استهدف محطات الكهرباء ومصافي النفط والجسور أكثر من مرة كرد على عمليات عسكرية ضد جنوده وعناصر عملاء لحد في الجنوب، كمثال على ذلك إقدامه على استهداف محطة كهرباء "الجمهور" منتصف عام 1999 كرد على قتل المقاومة العميل عقل هاشم، ثم تنفيذها عملية نوعية باستهداف موقع "العزية" بصاروخ موجه وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين.
وهذا الاعتداءات لطالما كانت تتكرر مع تنفيذ المقاومة أعمالا عسكرية داخل مناطق الجنوب المحتلة آنذاك.
حتى قبل نشوء حزب الله، وبأعوام طويلة لطالما كانت البنى التحتية اللبنانية عرضة للعدوان الإسرائيلي وبذرائع مبالغ فيها، منها ما حصل في كانون الثاني/ يناير من عام 1968 عندما تسللت مجموعة من وحدة "ساريت متكال" النخبوية إلى حرم المطار وعملت على تفخيخ وتدمير 13 طائرة مدنية تابعة بأكثرها للخطوط الجوية اللبنانية، وتبرير الأمر بأنه رد على عملية نفذها فلسطينيون ضد رحلة لشركة "العال" الاسرائيلية في اليونان.
إذا يسجل التاريخ القديم والحديث أن البنى التحتية اللبنانية كانت عرضة للاعتداء الاسرائيلي، ولأي سبب، في محاولة للضغط على اللبنانيين للرضوخ لشروط العدو والتنازل عن أراضيهم حتى ومياههم.
كيف حمى حزب الله البنى التحتية؟
مرت المقاومة في لبنان بمراحل عدة، قبل أن تصل إلى حد فرض معادلات رادعة كنتيجة لامتلاك أسلحة "كاسرة للتوازن" ــ كما يسمها الإسرائيليون ــ وهو السلاح الذي وصل إلى لبنان بطرق شتى يعرفها العدو جيدا.
بتاريخ 16 شباط/ فبراير2010 وضع الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله معادلات نوعية منها أن استهداف مطار الشهيد رفيق الحريري في بيروت سيقابل باستهداف مطار "بن غوريون" في "تل أبيب" وأن استهداف محطات الكهرباء في لبنان سيقابل باستهداف محطات الكهرباء في الكيان الاسرائيلي وكذلك المرافئ البحرية. هذه المعادلات كانت مؤشرا كبيرا على امتلاك المقاومة سلاحا نوعيا وهو ما يسميه العدو "الصواريخ الدقيقة".
في عام 2011 ومع اندلاع الأحداث في سوريا، أطلق العدو الإسرائيلي ما أسماها "المعركة بين الحروب" ووضع لها عنوانا بارزا في البداية وهو: "منع وصول سلاح كاسر للتوازن إلى المقاومة".
نجحت المقاومة بتخطي كل إجراءات العدو العدوانية في سوريا خلال تلك الحملة، وحولت التهديد إلى فرصة، ما مكنها من تعزيز قدراتها الصاروخية والجوية وهو ما تجلى وتأكد على لسان سماحة السيد حسن نصرالله منذ عام 2018 قبل أن يؤكد عام 2022 أن المقاومة تطور صواريخها إلى دقيقة في لبنان، وكذلك تصنع المسيرات، مبينا بشكل غير مباشر عن كميات ضخمة من هذه الأسلحة.
العدو الإسرائيلي نفسه وفي تصريحات لقادته العسكريين والأمنيين وحتى السياسيين يعترف بأن حزب الله يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة، حتى وصل به الأمر إلى الحديث عن ضرورة منع تعاظم تلك القوة داخل لبنان، ووقفوا أمام معضلة صعبة للتعامل معها، كون الضربة لأي من مواقع المقاومة قد تؤدي إلى مواجهة لا تقف عند حد "أيام قتالية" إنما قد تنزلق إلى حرب واسعة.
أمام ما تقدم، ومن خلال الوقائع التي يعرفها العدو ويعترف بها، فإن المقاومة وعبر مراكمة القوة حمت البنى التحتية في لبنان ومنها مطار بيروت الدولي، وهي، أي المقاومة، وكجزء من استراتيجيتها، لا تستخدم مرافق الدولة لأي أعمال لوجستية لها علاقة بالتسلح أو نقل السلاح.
يبقى السؤال، لماذا كل تلك "الهمروجة" التي نسمع بها منذ أيام عبر الإعلام العربي المشبوه؟
ببساطة، هي الهرطقة، فالعدو فاته القطار، واستهداف أي من مرافق للدولة اللبنانية تحت أي ذريعة سيعني الحرب، ونحن لا نبالغ.
العهد ـ خليل نصرالله