أقلام الثبات
يسير لبنان قدماً وبوتيرة متسارعة لناحية حسم أمور الترسيم البحري مع كل من سورية وقبرص، وذلك بعد الانتهاء من الملف الأكثر صعوبة وهو انهاء الترسيم البحري مع "اسرائيل"، الذي من المتوقع أن يتم التوقيع النهائي عليه خلال هذا الأسبوع الجاري.
وليس من المتوقع أن يستغرق ملف الترسيم مع الدولتين السورية والقبرصية الوقت الذي استغرقته المفاوضات الأخرى، وذلك لأن "اسرائيل" اعتادت على استخدام الضغوط الدولية، وخصوصاً الأميركية لتأخذ ما ليس لها ولتقضم حقوق الآخرين.
لقد وجدت اسرائيل دائماً لدى الطرف الغربي وخصوصاً الأميركي (من الحزبين) الاستعداد لفرض ضغوط قصوى على الطرف الآخر للاستسلام والتنازل عن حقوقه، حتى لو أدّت تلك الضغوط الى تجويع الشعوب، ومنعها من استغلال ثرواتها، وإبقائها بلا كهرباء، تماماً كما حصل مع غزة في حقل غزة-مارين، وكما حصل مع لبنان على مدى 12 سنة، حين فرض المفاوض الأميركي شروطاً على لبنان أقلّها "القبول بالتصور الأميركي للترسيم، وإلا بقاء الغاز في البحر وبقاء الأزمة الاقتصادية" (راجع حديث شينكر مع موقع الهديل).
واليوم، يطرح على بساط البحث، بدء مسار الترسيم البحري بين لبنان وسورية، وقد أوردت التقارير الصحفية أن الروس عرضوا أنفسهم "وسطاء" دوليين، في حال تعذّر الوصول الى اتفاق، او لحلّ اي مشاكل تقنية قد تطرأ بين الدولتين – "الجارتين".
وبعد وصول الأمور الى هنا، من المفيد إبداء الملاحظات الآتية:
1- يبدو أن التطورات الدولية والاتفاقيات التي تسير على قدم وساق، ستفرض نوعاً من تقاسم النفوذ الدولي "الواقعي" في منطقة المشرق العربي، فيكون النفوذ الأميركي مكرساً في كل من العراق ولبنان، بينما يكرّس النفوذ الروسي في سورية.
أما النفوذ الاقليمي، فعلى ما يبدو (لغاية الآن) أن لكل من إيران وسورية دوراً في لبنان من دون الاخلال بالمصالح الغربية، وقد تفرض التطورات أن يلجأ العرب الى سورية لحفظ مصالحهم في الساحة اللبنانية، كما فعلت في عقود سابقة، حين حافظت على التوازنات الدولية والاقليمية بدقّة بعد اتفاق الطائف.
2- وعليه، وبحسب سير المفاوضات بين لبنان وسورية حول الترسيم البحري، قد يكون أحد الحلول لتقاسم البلوكات المشتركة على الحدود بين الدولتين، هو أن تقوم نفس الشركة الروسية المشغلة بالعمل على ضفتي الحدود ويكون هناك صندوق مشترك يتمّ عبره تقاسم للعائدات.
وهنا، تجدر الاشارة الى البند المتعلق باستثناء "الشركات التي عليها عقوبات دولية" في نص الاتفاق بين لبنان و"اسرائيل" برعاية أميركية، والذي أثار لغطاً إعلامياً.
وبالعودة الى نص الاتفاق، نجد أن العبارة التي استبدلها لبنان من "عقوبات أميركية" الى "عقوبات دولية" هي حصراً مرتبطة بالعمل في البلوك رقم 9 (ومن ضمنه حقل قانا اللبناني) وليس جميع البلوكات اللبنانية التي يبقى للبنان الحرية في التعاقد مع الشركات التي تتقدم بأفضل عرض للاستثمار.
علماً أن عبارة "العقوبات الدولية"، تعني أن هناك قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي بموجب قرار أممي بموجب الفصل السابع، يفرض تلك العقوبات، وهذا مختلف عن العقوبات الآحادية الجانب التي فرضها الجانب الأميركي أو بالتكافل مع حلفائه الغربيين والدوليين على الشركات الروسية أو الايرانية أو غيرها، التي تبقى غير ملزمة إلا للدول التي أعلنت التزامها بها، ولا تعني لبنان ولا أي دولة أخرى انطلاقاً من مبدأ السيادة.
في النتيجة، لقد وُضع لبنان على سكة الاستكشاف والتنقيب، وبالرغم من أن حصد العائدات يحتاج الى وقت طويل نسبياً، إلا أن الجرأة في مقاربة الملف، والسير في حسم مسألة الحدود مع "اسرائيل" وسورية وقبرص، ستكون أحد الأسباب في إزدهار ونمو اقتصادي واعد إن أحسن اللبنانيون إدارة هذا الملف وتوزيع عائداته من دون فساد ونهب.