أقلام الثبات
تزداد المخاوف من حدوث فوضى دستورية، قد تتطور إلى سياسيةٍ وأمنيةٍ، مع إقتراب نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، المترافقة مع وجود حكومة تصريف أعمالٍ مستقيلةٍ دستوريًا، منذ بدء ولاية مجلس النواب الجديد في أيار الفائت. فلا يحق لها الإنعقاد على طاولة مجلس الوزراء، بالتالي لا يحق لها من وجهات نظر بعض الدستوريين، تسلّم صلاحيات رئاسة الجمهورية، إذا دخل البلد في فراغٍ رئاسيٍ.
قد تكون هذه المخاوف مبررةً، نظرًا لضيق الوقت، فحتى الساعة لم يتوصل المعنيون إلى إتقاقٍ على تأليف حكومةٍ جديدةٍ، في وقتٍ شارفت فيه "الولاية" دخول أسبوعها الأخير. وفي حال إنقضائها، من دون التوصل إلى "إتفاقٍ"، فلا حكومة ولا من يحكمون. وفي ضوء الظروف المعيشية والإقتصادية الخانقة وغير المسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، لم يعد بوسع الشعب اللبناني تحمل المزيد من الإنتكاسات السياسة والعبث في الدستور، اللذين سينعكسان حتمًا على الوضعين المعيشي والاجتماعي.
غير أن التحولات في المنطقة، والوقائع، والمعلومات، والأجواء "التهدوية"، تؤشر إلى أن الأوضاع في لبنان برمتها تميل نحو الحلول والتسويات، أكثر ما تكون مائلةً نحو التصادم. وفي هذا السياق، جاء في مستهل هذه الأجواء، توصل لبنان وفلسطين المحتلة إلى إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، برعايةٍ أميركيةٍ، كخطوةٍ أولى على طريق إستثمار الثروة الغازية من طرفي هذا الإتفاق. ومعلوم أن هذا الإستثمار المرتقب والمنشود، لن يتحقق من دون أن تتوافر له ظروف أمنية، منبثقة من توافقاتٍ سياسيةٍ إقليميةٍ، ملائمة لهذا الإستثمار. وتأتي أيضًا ضمن هذه الأجواء حركة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، تحديدًا جولته الأخيرة على مختلف الفاعليات في طرابلس في الأيام الفائتة، وزيارته للمجلس الإسلامي العلوي في جبل محسن، ولقائه قائم مقام رئيس "المجلس" الشيخ محمد عصفور. وليس خافيًا على أحد مدى إرتباط رموز الطائفة الإسلامية العلوية في لبنان بسورية. وأتت هذه الزيارة في ضوء المعلومات التي تتحدث تقارب سعودي- سوري، وعن إمكان إعادة تفعيل تفاهم "سين سين"أي (سورية والسعودية) على بعض الملفات في المنطقة، ومنها الملف اللبناني، وذلك بالتزامن مع مواقف البخاري الأخيرة، التي حذرت من خطورة المس بإتفاق الطائف 1989، وهو أصلًا (إتفاق سوري- سعودي).
وفي سياق متصلٍ، يكشف مرجع لبناني حليف لدمشق، أن العلاقة الأمنية بين سورية و"المملكة" قائمة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ومستمرة. ولا يستبعد أن تتطور إلى سياسيةٍ في مرحلةٍ لاحقةٍ. ناهيك بالمحادثات الإيرانية- السعودية في بغداد، التي إنطلقت منذ نحو عامين، وهي مستمرة بتأنٍ ودقةٍ دبلوماسيةٍ، وترمي إلى عودة العلاقات الطبيعية بينهما، رغم التمسك السعودي بمحاولة فصل المسار اللبناني عن أي تأثيرٍ إيرانيٍ.
ولاريب أن كل الأجواء التهدوية المذكورة آنفًا وسواها، كالإندفاعة التركية نحو دمشق، التي إستضافت في الأيام القليلة الفائنة، وفد من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، سيكون لهذه الأجواء إنعكاساتٍ إيجابيةٍ على الأوضاع الأمنية والسياسية، ثم الإقتصادية في لبنان. وهنا يرجّح أكثر من مرجع في تحالف فريق المقاومة والتيار الوطني الحر، ولادة حكومة عتيدة خلال الأيام المتبقية من ولاية الرئيس عون. كذلك لا يستعبد أحد هذه المراجع، التوصل إلى توافق على إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في وقت ليس ببعيدٍ ضمن الأجواء التهدوية المذكورة، التي بدأت تؤتي ثمارها أيضًا، لجهة إعادة تفعيل ملف عودة النازحين السوريين إلى ديارهام، في ضوء المعلومات التي تتحدث عن إستعداد نحو ثلاثة آلاف نازحٍ للعودة الى سورية الأسبوع المقبل.