أقلام الثبات
تركيا: جمهورية نهضت على أنقاض الدولة العثمانية، وسارت على نهج الخلافة المستنبطة من القانون العثماني، زاعمة محاكاتها الإسلام الصحيح، فشاركت في عدة مؤتمرات إسلامية وغير إسلامية، لتداوي جروحها التي أحدثتها الحرب العالمية الأولى، إلا أنّ زعماءها اعتنقوا الانقلابات، وآمنوا بها، وعدوا لها العدة، ففي مثل اليوم من عام 1980 م قاد الجنرال كنعان ايفرين انقلاباً عسكرياً على الرئيس فخري قوروترك، بتدبير من الولايات المتحدة الأميركية، تحت شعار إخراج البلاد من الأزمات الاقتصادية التي عاشتها خلال فترة رئاسة فخري، ومضمونها إيجاد مندوب جديد في منطقة الشرق الأوسط بديل للشاه محمد رضا بهلوي، بعد أن أسقطته الثورة الإسلامية الإيرانية المباركة، فكان ما خططت له الإدارة الأميركية، ودخلت البلاد تحت حكم العسكر، وحل المجلس التنفيذي في البلاد بغية إنتخاب مجلس جديد، بحيث تكون جميع أركانه لخدمة إدارة الشر الأميركية.
وهكذا استمر الحال في البلاد ما بين حكم عسكري وآخر رئاسي تحت رعاية أميركية، إلى أن جاء الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي راوغ وسافر إلى هنا وهناك، لكنه لم يجد أفضل من مدينة حلب السورية للنهب والسرقة، فعدّ العدّة، وجيش المرتزقة لنهبها في بداية الأزمة السورية عام 2011م، وتوظيف السوريين في مصانعه ومعامله المنهوبة من الأراضي السورية، ليجد نفسه كبيراً، ينطبق عليه المثل القائل: "كبرت الخسة براسو"، لتعيده الولايات المتحدة الأمريكية إلى العام 1980 م، وتخبر جنرالاتها في الجيش التركي بضرورة التحرك لنتف شاربيه، ونزع هذه الخسة من رأسه، ليكون انقلاب 2016م، ليهرول الأخير ويعلن الولاء للإدارة الأمريكية، معطياً إياهم ضمانات كاملة بحماية الشمال الشرقي السوري، بغية نهب ما بقي من ثروات باطنية في البلاد، فكان النصر المؤزر، معنوناً: "دماؤنا رخيصة من أجل الرئيس التركي"، موثقاً بصورة جندي تركي ينبطح أمام دبابة عسكرية تركية، ليعود كمصارع منتصر في الواسطة.
ثمانية أشهر ترقع في أذن أردوغان، وعيناه شاخصتان إلى كرسي الرئاسة، زعامة طالما حارب من أجلها، وقدم لها تنازلات كبرى، فانبطح أمام "الإسرائيلي" ضاحكاً، معتكفاً على أطلال فلسطين يذكرها في آخر كل خطاب يلقيه على محبيه، مقنعاً إياهم بأن "إسرائيل" هي السبيل الاقتصادي الوحيد أمام الجمهورية "الإسلامية" التركية، محرفاً التاريخ، وناسباً لتركيا علاقات "إسرائيلية" جوهرية كبيرة، وكأن الدنيا منذ نشأتها وجدت على أعتاب "إسرائيل"، في حين أن الواقع يقول بأن "إسرائيل" لقيط من عدة دول أوروبية، جمعت على أرض فلسطين المحتلة، والسؤال هنا: هل يحاكي أردوغان السياسة الأميركية من أجل ضمان بقائه فيغير على مدينة حلب مجدداً؟ أم أنه سيغير سياسته مع الشقيقة دمشق ويبادر لمصالحتها ورد ما نهبه منها؟
ثمانية أشهر عجاف هي سنين حكم سمان في نظر أردوغان، فهل ستكون له صولات صهيونية جديدة؟ أم أنه سينكفئ على نفسه ويقضي طيلة حياته الباقية في حسرة؟ عينك على يونيو 2023م.