أقلام الثبات
برحيل دونالد ترامب ومجيء جو بايدن الى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية، نظر العديد من المسؤولين والشعوب في منطقة الشرق الأوسط وفي العديد من المناطق في العالم، الى الأمر بارتياح، متوقعين أن تسير الإدارة الأميركية الحالية نحو حلول دبلوماسية للعديد من الصراعات الدولية، وتخفيف العقوبات الاقتصادية التي قام بها دونالد ترامب وأفقرت وجوّعت الشعوب في العديد من الدول منها سوريا والعراق ولبنان وفنزويلا وغيرها...
لكن، مسار سنتين تقريباً منذ فوز جو بايدن لم تكن على قدر التطلعات في العالم، بالرغم من أن التطورات الدولية ساهمت في تخفيف العقوبات الأميركية واقعياً وليس بفعل قرار أميركي دبلوماسي، وقلّصت هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وذلك كما يلي:
اندفعت الادارة الأميركية الى التصعيد مع الروس منذ مجيء بايدن الى البيت الأبيض، خصوصاً في الموضوع الأوكراني، وشهد عام 2021، الكثير من التوترات الحربية في البحر الأسود، والعديد من التصريحات والمواقف التي تدعو أوكرانيا الى الدخول في حلف الناتو، وهو ما يدرك الجميع أنه يثير التحفظات الروسية، الى أن بدأ الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، وفرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على روسيا.
هذه الحرب وحاجة العالم الى النفط والغاز، وارتفاع أسعار تلك السلع التي تلهب أوروبا وأميركا خاصة، دفعت العالم الى التفتيش عن مصادر أخرى غير الروسية، ما جعل سوق الطاقة الإيراني والفنزويلي يزدهر، وبات باستطاعة الدولتين بيع النفط والغاز في الأسواق العالمية، بالرغم من عدم قيام الإدارة الأميركية برفع العقوبات الأميركية التي فرضها ترامب عنهما.
وهكذا، تنشط تجارة الغاز الروسي متخطية العقوبات ومحققة ارباحاً تفوق الأرباح التي حققتها روسيا العام الماضي، وتستفيد دول عدّة اقتصادياً ومادياً من هذه التجارة "الالتفافية" على العقوبات، فالسعودية والامارات والهند والصين وغيرها، تحصل على الغاز والنفط الروسيين بأسعار تشجيعية ثم تعيد بيعه في الأسواق العالمية، وخصوصاً لأوروبا، بأسعار أعلى، ما يسمح بهامش كبير من الأرباح وتتكبد أوروبا الخسارة المادية جرّاء ذلك، وترتفع فيها أسعار الكهرباء والطاقة.
أما لناحية فنزويلا وإيران، فتذكر التقارير أن الدولتين استفادتا من الحرب الأوكرانية الروسية، بقدرتهما على استخدام آلية الدفع بالعملات المحلية التي باتت معتمدة بشكل واسع في التجارة العالمية، والتي تزداد سهولة يوماً بعد يوم، كما استفادتا من حاجة الغرب الى الطاقة مما جعل الأميركيين يغضون النظر عن التجارة الدولية معهما، وعن تعقّب مسار السفن التي تبيع النفط والغاز الايراني والفنزويلي. وقال وزير النفط في إيران، جواد أوجي، أن وزارة النفط في بلاده افتتحت أسواقاً جديدة لتسويق النفط الإيراني، من قارة أفريقيا إلى آسيا، وحتى دول أميركا اللاتينية وأوروبا، من خلال إدخال عقود جديدة بنماذج مبتكرة، وأن إيران أبرمت عقوداً بقيمة تجاوزت 80 مليار دولار خلال العام الماضي.
عملياً، يمكن القول أن استراتيجية العقوبات الاقتصادية الدولية لم تعد قادرة على فرض موازين قوى أقوى للولايات المتحدة الأميركية، وان استخدام العملات المحلية بدل الدولار أضرّ بقوة وقدرة الولايات المتحدة الأميركية في الهيمنة على العالم.
وهكذا، فإن ضعف الإدارة الأميركية أنعكس سلباً على الولابات المتحدة ونفوذها، وذلك كما يلي:
- ضعف الإدارة الأميركية الحالية التي تواجه تحديات عديدة في الداخل، جعلت بايدن يندفع الى التصلب في الخارج للظهور بمظهر القوة. ولكن التصلب كان سيفاً ذو حدّين، فقط أدّى الى عدم قيام الادارة بتنفيذ تعهداتها باعتماد الدبلوماسية والعودة الى الاتفاق النووي مع إيران، وأدّى الى زيادة التضخم في الداخل مما أضعفها أكثر.
- الضعف الذي تشهده الادارة إنعكس ايضاً على الشعار "التوحيدي" الذي أطلقه بايدن قبل توليه الرئاسة، حين أعلن انه سيعمد الى توحيد "الامة الاميركية" لكن فشله في ذلك، دفعه الى خطاب تقسيمي لافت، حين اتهم ترامب وأنصاره بالتطرف وأنهم "أعداء الديمقراطية الاميركية"، مما اضطر ترامب للرد بأن بايدن هو "عدو الدولة"... وهذا سيضعف أميركا أكثر من الداخل.