أقلام الثبات
تلعب عوامل كثيرة لصالح لبنان، في الكباش الدائر بينه وبين العدو "الإسرائيلي"، حول ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، لكن ذلك لا يعطي المتفائلين جرعة دعم زائدة، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار الوضعين اللبناني و"الإسرائيلي"، الضاغطين على السلطات فيهما لفرملة أي تنازل وازن، في الصراع على من ينتزع أكبر كمية متوقعة من الغاز والبترول، القابع في قعر المياه اللبنانية والفلسطينية.
صحيح أن الحكم في لبنان حشر نفسه في زاوية الخطين البحريين 23 و29، وأن أي تنازل عن حقوق لبنان فيهما لن يمر داخلياً مرور الكرام، مما يجعل تنازله في هذا المكان بالغ الصعوبة. إضافة إلى أن السلطات والحكومة المستقيلة في لبنان، مشغولون في التنازع على تشكيل حكومة جديدة؛ وفي التوصل إلى تفاهم بعيد المنال لإنتخاب رئيس للجمهورية، يخلف الرئيس ميشال عون، لكن في أيدي لبنان أوراق قوة عديدة، إذا تمسك فيها من المؤكد أنه يضمن التفوق على الأطماع "الإسرائيلية"، التي إعتدنا على بروزها كلما نشب خلاف بين الكيان الذي يحتل فلسطين؛ وبين الدول العربية المحيطة بها. وكذلك مع فلسطينيي الداخل المحتل، الذين يحرمهم من كل مقدرات بلدهم، إبتداء من الأرض والبيوت وصولاً إلى المياه والشجر والحرية.
راهن العدو "الإسرائيلي" على الإستقواء بحاجة الدول الأوروبية لغاز البحر المتوسط، مما يدفع تلك الدول للضغط على لبنان، ليسكت عن السرعة "الإسرائيلية" في التنقيب؛ وفي تجهيز كل ادوات إستخراج الغاز وتسويقه، لكن تصدي المقاومة له وإعلان قيادتها التمسك الثابت بحقوق لبنان؛ وتهديدها العملي بضرب منصات التنقيب المعادية، جعل العدو يتراجع خطوة، تاركاً للوسيط الأميركي- "الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، فرصة التشاطر والضغط على موقف لبنان، بل وتقطيع الوقت، ريثما يجد مخرجاً لهذه العقبة التي ستمنع "الإسرائيلي" بالتأكيد، من التفرد باستخراج النفط، بالتوازي مع حرمان لبنان من هذا الحق، بفعل العقوبات والحصار الأميركي المفروض عليه، لإخضاعه للإملاءات الأميركية، المتعلقة بالحاقه بطابور الأنظمة العربية الخانعة والمطبعة مع كيان الغزاة "الإسرائيليين".
لم يصطدم التسلط "الإسرائيلي" بالموقف الصلب للمقاومة فقط، بل جاءه الرفض ألأميركي لنشوب أي نزاع مسلح في المنطقة، ليمنع ولعه المعتاد بالحرب وإستعمال القوة في مواجهة العرب، نتيجة إنشغال الولايات المتحدة بنزاعات تضغط على موقفها ونفوذها، تبدأ من سعيها لإضعاف روسيا في الحرب الأوكرانية المحتدمة؛ وتمر بالصراع الصيني – الأميركي الإقتصادي، الذي يقف على حافة حرب قد تنشب في تايوان الصينية؛ وصولاً إلى الكباش الأميركي – الإيراني المحتدم حول دور طهران الإقليمي، الذي يتم إختصاره بالمفاوضات الجارية في فيينا، لتجديد أو لإحياء الإتفاق النووي مع إيران، الذي الغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مما يجعل أي عمل عسكري "إسرائيلي" غير مضمون النتائج، مرفوضاً ومستبعداً من قبل الإدارة الأميركية الحالية.
في المقابل، تواجه الحكومة "الإسرائيلية" استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة، التي سترتفع فيها وتيرة المزايدات بين الخصمين لابيد ونتنياهو، مما يمنع العدو من التراجع عن أطماعه، كما يعزز خشيته من الإقدام على أي خطوة ناقصة، في الحرب أو في التفاوض مع لبنان، لأنه سيدفع ثمنها في صناديق الإقتراع، مما يجعل تراجعه أكثر صعوبة ويترك حالة عض الأصابع المتبادل مع لبنان، رهينة المفاجآت المقبلة، في حال لم يخرج "الوسيط" هوكشتاين بجديد يرضي حسابات الطرفين.