مقالات مختارة
ترتسم أسئلة كثيرة حول ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ومعها عمليات التلزيم والإستكشاف والتنقيب والاستثمار في البلوكات اللبنانية المحسوم امرها كلياً للبنان، واياً كانت النتائج التي ستفضي إليها مفاوضات الترسيم، مع العودة المرتقبة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الا ان ذلك لا يحجب أسئلة لا بد من طرحها بعيداً عن كل المزايدات وشعارات السيادة والحقوق الوطنية.
أولاً؛ هل صحيح أن كونسورتيوم الشركات الذي فاز في دورة التراخيص الاولى (توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية) يمارس أوسخ ابتزاز، والبداية من البلوك رقم (4): لماذا بقيت الحفارة التي قامت بالحفر في البلوك رقم (4) في بيروت وفي شمال مرفأ بيروت حتى اواخر تموز/يوليو 2020 ولم تغادر بعد انتهاء الحفر؟ مع الاشارة إلى ان الحفارة اميركية الجنسية وتم استئجارها لمصلحة الكونسورتيوم الثلاثي.
ثانياً؛ لماذا تم منع جيولوجيين يمثلون وزارة الطاقة اللبنانية كانوا على متن الحفارة من متابعة عمليات الحفر؟ ولماذا تم عزلهم ومنعهم من الاطلاع على المعلومات تباعا؟. لماذا صرّح احد المهندسين المصريين المواكبين للحفر والتابع لاحدى الشركات العالمية عن وجود الغاز في البلوك رقم (4) قبل أن يسارع لاحقاً الى التراجع عن كلامه؟. لماذا تمنّع الكونسورتيوم عن استعمال معدات لاستشعار الغاز في البئر كما يلزم وكما كان يتوجب أن يفعل كما يحصل في معظم آبار الاستكشاف في العالم؟ لماذا تم تغيير طاقم الحفارة وإبدال اللبنانيين على متن الحفارة بأجانب تباعاً بين حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2020، أي قبل إنفجار مرفأ بيروت بفترة وجيزة؟ هل صحيح أن المسؤولين اللبنانيين كانوا منشغلين بمواجهة جائحة كورونا ام أن هناك في السلطة من كان متواطئاً حتى العظم؟
ثالثاً؛ لا بد من الاشارة الى من لعب دوراً في تسميم مفاوضات ترسيم الحدود البحرية وان كان قد قدّم نفسه بلبوس المدافع عن الحقوق السيادية، حيث تم الهاء الرأي العام بما سمي “حقل قانا” غير المُستكشف أقله لبنانياً، ومن هنا الاصرار الاسرائيلي على اقتطاع جزء ولو بسيط من البلوك رقم (8) بذريعة امرار انبوب الغاز وليس الاستثمار، وهذه كذبة، للاسف، اشترك في ترويجها بعض اللبنانيين المعنيين بالملف، لان الشركات الكبرى ومنها الاسرائيلية تتحدث عن موجودات في البلوك (8) تصل الى نحو 13 الف مليار قدم مكعب، اي بما يوازي موجودات حقل تمار، ايضا الموجودات في البلوك رقم (9) مهمة جدا، واذا وقّع الاتفاق وحصلت اسرائيل على جزء من البلوك (8) ستبدأ فورا الاستكشاف جنوب البلوك ومن المتوقع أن تنتهي خلال شهور من حفر ابار الانتاج وإرسال الانتاج الى باخرة انرجيان باور للتصدير، لانه في حال قدم لبنان تنازلا في اي جزء من البلوك (8) تصبح باخرة انرجيان باور موكلة بحقلي كاريش وتانين ومكامن الرقعة (8)، وهكذا تصبح مكامن شمال فلسطين المحتلة بذات اهمية مكامن وسطها. لذلك؛ علينا رصد ما يجري في اسرائيل، لانها تعمل على ان تربح مليارات الدولارات من بيع غازها لثلاثين سنة الى اوروبا بسعر مرتفع مقابل التنازل الإسرائيلي في جزء من حقل قانا المحتمل، والمفاوضات حول بيع الغاز الاسرائيلي تجري على قدم وساق وبسرية تامة وتتولاها توتال عن الجانب الأوروبي، وبالتالي سيزيد الإعتماد الأوروبي على غاز إسرائيل ومصر والجزائر وليبيا والنروج (وأيضاً المغرب بالنسبة إلى بريطانيا)، علماً أن دولة مثل هنغاريا زادت إعتمادها على الغاز الروسي وترفض السير بخط باقي الأوروبيين للتحرر من الغاز الروسي، علماً أنه برغم التحشيد الأوروبي لا يمكن التخلي عن روسيا التي كانت ترفد أوروبا سنوياً من 7 إلى 10 تريليون قدم مكعب.
رابعاً؛ هنا تدخل الورقة العسكرية، لان تأثير عدم الاستقرار في منصات كاريش سيرفع اسعار الغاز في اوروبا بحوالي 30% والتضخم نقطتين، اي مصيبة اضافية على المواطن الاوروبي، واذا طاول عدم الاستقرار المنصات الاخرى على طول البحر الفلسطيني المحتل، ستتضاعف الاسعار والتضخم، وكل شركات النفط والغاز العالمية ستستفيد من رفع الاسعار. وفق هذا السيناريو تكون إسرائيل هي الرابحة حتى لو تنازلت في حقل قانا.
خامساً؛ هل تراجع لبنان في ترسيم الخط الازرق عن شمال خليج الناقورة؟ لماذا طرح هذا السؤال؟ لأن ثبات لبنان على شمال خليج الناقورة يعطيه الحق المؤكد في حقل تمار وقسم من حقل لفياتان، انها فرصة لبنان لتحويل خطأ الخط 23 الى انتصار. فعندما جرت مفاوضات تقاسم المكامن المشتركة مع قبرص في العام 2014، طلب الوفد اللبناني في حينه اعادة النظر بالنقطة الثلاثية (قبرص، فلسطين ولبنان) على ان تحدد ليس انطلاقا من رأس الناقورة بل من داخل خليج الناقورة اللبناني. حينذاك، إتهم الوفد اللبناني بنسف المفاوضات، وبالفعل توقفت المفاوضات وبدأت من جديد في العام 2018 بشروط القبارصة ثم توقفت بسبب الازمة في لبنان.
ان الانطلاق من خليج الناقورة يغير المعادلة جذريا، وتصبح حينها النقطة الثلاثية (بديل الخط ٢٩) بين جنوب عكا وشمال حيفا، وهذا هو الخط العلمي والتقني بامتياز، ويجب ان ينطلق من جنوب الخط الازرق اي من الحدود اللبنانية الفلسطينية. ان الاسرائيلي والاميركي اتبعا في المفاوضات خط دفاع اول هو خط هوف، وخط دفاع ثانٍ هو الخط 23، وخط دفاع ثالث هو الخط 29، والخطوط الثلاثة رُسّمت تحت أعين الاسرائيلي والاميركي.. ولبنان وقع في المصيدة.
هل يشك احد ان الشركات الكبرى تتقاسم الحصص قبل الترسيم ومن دون معرفة الدول وتبني بعد ذلك استراتيجية غزو الاسواق؟
ان الف باء الترسيم يكمن في تقعّر وتحدّب الخلجان، وبالتالي ان اعتماد خط الحدود وليس الخط الازرق يعطينا حقا طبيعيا الى نقطة ثلاثية جنوب حيفا اي الى تمار وحتى لفياتان، والعالم المهم في الترسيم هو عالم الخلجان، اي الترسيم من خليج الناقورة وليس من رأس الناقورة. هذه قوة لبنان التي يجب تظهيرها لتكون الحجة الدامغة في فرض الحلول التي تحفظ الحقوق، بالاستناد الى قوة الحق المثبت بالقانون وقانون القوة المشرّع دوليا في الدفاع عن السيادة الوطنية.
داود رمال | 180Post