مقالات مختارة
منذ عدة شهور، تكلم أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بصراحة متناهية ووضوح كامل في خطاب له، من أن المقاومة ستقف الى جانب الدولة في ترسيمها للمنطقة الاقتصادية الحصرية العائدة للبنان، وأنها ستأخذ بخط الترسيم الذي ستوافق عليه وتعتمده وتتبناه.
أراد الأمين العام بكلامه هذا، أن يضع حداً للمزاعم التي لا تنفكّ عن ترويجها بعض أدوات الداخل والخارج، المعادية بالشكل والأساس لخط المقاومة ودورها، وبالذات لحزب الله، الذي لم توفره أجهزة الإعلام التابعة لأبواق إعلامية كثيرة لبنانية وعربية، وأجنبية، حيث تقوم بصبّ حملاتها الإعلامية اليومية متهمة حزب الله، بإعاقة عمل الدولة، والسيطرة عليها، والتحكم بقراراتها، والهيمنة على مؤسساتها.
هذا الأمر يذكرني بما شاهدته داخل البرلمان الأوروبي منذ سنوات، عندما أتى من أتى إلى بروكسل على دفعات، مسؤولون ونواب وسياسيون لبنانيون التقوا بمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، كي يدلوا بدلوهم عن الأوضاع في لبنان، منتهزين الفرصة ليصبّوا جامّ غضبهم على المقاومة وحزبها، محمّلين كامل المسؤولية لحزب الله إزاء كلّ ما يشهده لبنان من تطوّرات وأحداث داخلية وإقليمية.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حين أعلن مسبقاً، وقوفه الى جانب الدولة في كلّ ما تحدّده وتتبناه من خط الترسيم لمنطقتها الاقتصادية الحصرية، أراد ان يقول للقيّمين على الدولة اللبنانية، انّ بجانبهم مقاومة يستطيعون أن يستمدّوا منها القوة أثناء تفاوضهم مع «الإسرائيلي». كما كان أيضاً على ثقة ويقين، من أنّ المسؤولين اللبنانيين سيكونون على مستوى المسؤولية الوطنية، ولن يفرطوا بأيّ شكل من الأشكال بحقوق لبنان القانونية الكاملة، وبثروات بلدهم الطبيعية، وأنهم ليسوا بوارد التنازل عنها او المساومة عليها، أو التفريط بها، أو التخلي عن جزء منها.
كان الأمين العام يرى في المسؤولين اللبنانيين، الحرص كلّ الحرص على التمسك بثروات وطنهم والدفاع عنها. لذلك كان يعتمد عليهم وينتظر منهم موقفاً لبنانياً سيادياً شجاعاً يؤكد على حقوق لبنان، دون المساس بها من خلال أية مفاوضات غير مباشرة تجري مع «إسرائيل» في هذا الشأن، عبر الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين.
لكن ماذا لو تخلّت الدولة، او المسؤولون في لبنان أثناء سير المفاوضات عن جزء من حقوقه في المنطقة الاقتصادية الحصرية العائدة له، خاصة أنّ هناك في البلاد، من هو على عجلة من أمره، وعلى استعداد كي يساوم ويتخلى عن بعض حقوق لبنان في ثرواته، من أجل أن ينهي حالة العداء والصراع، وما يتفرّع عنه من نزاعات، كالنزاع البحري القائم مع الكيان «الإسرائيلي»، إرضاء لجهات خارجية مؤثرة وضاغطة؟!
في حال قبلت الدولة اللبنانية بما سيحمله لها هوكشتاين من مطالب «إسرائيلية»، للتنازل أو التفاوض على الخط 29، او التراجع عنه، والتخلي عن بعض ثروات لبنان البحرية، وقبولها بالترسيم الذي يحظى «بمباركة» الوسيط الأميركي، ورضى «الإسرائيلي»، ألا يضع تراجع المسؤولين اللبنانيين، المقاومة وبالذات حزب الله أمام الأمر الواقع، لا سيما أنّ أمينه العام السيد حسن نصر الله، قال بوضوح لا لبس فيه، من انّ المقاومة ستأخذ بالحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية التي ستعتمدها الدولة، وتحدّدها وتتبنّاها!
لذلك، إنّ ايّ حلّ ستأخذ به الحكومة اللبنانية، وتقرّه وتعتمده من حدود بحرية لمنطقتها الاقتصادية الحصرية، سيحتم من حيث المبدأ على المقاومة أن تقبل به، وهي التي سبق لها أن وضعت إمكاناتها وجهوزيتها في خدمة لبنان للدفاع عن أرضه وسيادته، وثرواته!
إنّ قبول المقاومة وحزب الله بأيّ ترسيم تعتمده الدولة، وينتقص من حقوق لبنان، نتيجة المفاوضات غير المباشرة مع «إسرائيل»، سيجعل الحكومة اللبنانية في ما بعد تتنصل من مواقف المقاومة الصلبة، وثوابتها، وعدم مساومتها، أو التنازل عن حقوق شعبها.
كما أنّ الدولة اللبنانية ستعتبر لاحقاً أنّ أيّ اعتراض، او انتقاد، او ردّ فعل سلبي من جانب حزب الله، إنما هو موقف يتعارض مع الثقة التي منحها السيد حسن نصر الله للحكومة اللبنانية لجهة ترسيم الحدود البحرية النهائية. بذلك تكون الحكومة قد نفضت يدها من أيّ موقف يتعارض مع ما قامت به من ترسيم، وبالتالي تعطي إشارات للخارج ولمن يهمّهم الأمر، من أنها بعد اليوم غير مسؤولة عن أيّ عمل تقوم به جهة داخلية ضدّ أهداف العدو ومنشآته. هذه الإشارات ستلقى ولا شك، ترحيباً من البعض داخل السلطة، المعروف بعدائه الشديد للمقاومة ونهجها.
إنّ قبول الدولة بترسيم جديد لمنطقتها الاقتصادية الحصرية، والتراجع عن الخط 29 في حال حصوله، الذي اعتمدته قيادة الجيش وفقاً لقانون البحار والقانون الدولي، والمعطيات الفنية والتقنية لشركات دولية ذات الاختصاص والخبرة في هذا الشأن، تكون قد حيّدت المقاومة، وأبعدتها عن أيّ قرار يتعارض مع ما قامت وتقوم به. وبالتالي لن تعطها المبرّر او توفر لها الغطاء الشرعي بعد ذلك، في حال اعتراضها أو رفضها للترسيم الذي يقضم من المنطقة الاقتصادية الحصرية للبنان ويتيح للعدو استغلال وسرقة ثرواته. إذ في هذه الحال، على المقاومة ان تلتزم بما تعهّدت به، وبما اعتمدته الحكومة اللبنانية من ترسيم .
إنّ الامر لن يتوقف عند هذا الحدّ، لأنّ الواقع الذي سيستجدّ سيتيح لرافضي خط المقاومة ونهجها، ومعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي كانت تتضمّنها البيانات الوزارية للحكومات السابقة، أن يتحركوا باندفاع كبير، وبدعم من الخارج، كي تتخلى الدولة عن هذه المعادلة ومضمونها، وعدم إدخالها مستقبلاً في أيّ بيان وزاري أمام مجلس النواب لنيل ثقته..
إنّ ثقة المقاومة بالدولة لجهة ترسيمها البحري، لا يعني مطلقاً تفويضها للتنازل أو التخلي عن حقوق لبنان الوطنية والسيادية وثرواته البحرية. كما أنّ وقوف المقاومة خلف الحكومة في مسألة الترسيم، لا يعطيها بتاتاً صكاً يخوّلها ان تفعل ما تريد دون ضوابط او حساب، او السماح لها بالتنازل عن جزء من حقوق لبنان في ثرواته البحرية.
هناك في لبنان من يريد أن يستعجل الترسيم، وينهي مشكلة النزاع البحري، والقبول بحلّ عاجل يأتي في صالح «إسرائيل»، وعلى حساب لبنان وثرواته، وأجياله القادمة، ويثمّن بالتالي «المساعي الحميدة» لوسيطها الأميركي «الإسرائيلي» هوكشتاين!
حلّ سريع يريده البعض ممّن يقدّمون ولاءهم، ويعربون عن استعدادهم، و»تعاونهم البنّاء والمثمر» مع الجانب الأميركي ـ «الإسرائيلي»، أياً كان الثمن، ويبدون مدى الإخلاص والوفاء له، وهم يؤدّون دورهم «العظيم»، غير مبالين إذا ما فرّطوا بمصالح الوطن، ورموا جانباً الدرع القوية الحامية للأرض والشعب والسيادة!
هذا الاندفاع للبعض في لبنان لإيجاد حلّ سريع للترسيم، سيعزز موقف «إسرائيل»، وسيدفعها ليس للتفاوض على الخط29، وإنما ايضاً على الخط 23، وعندها لن ينال لبنان ما يريد.
فليس من غرابة في ذلك، إذا ما عرفنا انّ مسؤولاً غربياً على علاقة وثيقة بالشأن اللبناني، قال في اجتماع خاص عن مسؤول لبناني رفيع، انّ بلده مرتاح في التعامل معه، حيث يتفهّم مطالبنا ويتجاوب معنا، ويوافق على ما نطلبه منه…!
صحيفة "البناء" ـ د. عدنان منصور (وزير الخارجية والمغتربين الأسبق)
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً