أقلام الثبات
عاد السعي الأميركي لإعلان تحالف بين كيان العدو "الإسرائيلي" وعدد من الدول العربية المطبعة معه، بالذاكرة إلى حلف بغداد وصراع المنطقة العربية مع مشاريع الأحلاف الغربية، التي كان نصب أعينها وما يزال، حماية الكيان الصهيوني الذي غزا فلسطين وشرد أهلها. وكذلك تسخير الأنظمة العربية، التابعة للغرب عموماً وللمشيئة الأميركية خصوصاً، في خدمة ذلك الكيان الغريب المغروس في قلب البلاد العربية وفي وسط العالم الإسلامي.
وعلى غرار ما تعودنا في محطات الصراع في المنطقة، تعمد الإدارات الأميركية المتعاقبة؛ وكذلك يقلدها تابعها الحكم السعودي، إلى دفع أدوات لهم وأتباع لفتح طريق أمام مشاريع وأفكار يسعيان لتنفيذها.
هكذا اطلق ملك الأردن الراحل حسين، بأمر من الأميركيين، صفة "الهلال الشيعي" على محور المقاومة، ليعطي صفة الأقلية لرافضي الإعتراف بالكيان الصهيوني. وليوصم باقي المسلمين بانهم مطبعين مع العدو الصهيوني ومتخلين عن فلسطين. وعلى النسق ذاته، دعا وريثه الملك عبد الله الثاني "إلى تأسيس حلف عسكري شرق أوسطي" يضم عددًا من الدول العربية إلى جانب الكيان الصهيوني. وقال في تصريح له: "سأكون من أوائل المؤيدين لتحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف الناتو. ولكن مرتبط بسائر العالم".
وريث إتفاقية وادي عربة الخيانية، التي باع فيها ملك الأردن فلسطين وشعبها، مقابل حماية أميركية و"إسرائيلية" لنظام حكمه، يتبرع بالدعوة إلى تحالف يشارك فيه العدو الأول للأمتين العربية والإسلامية "إسرائيل"، التي أظهرت تصريحات قادتها أن لهم اليد الطولى في تشكيل الحلف المزمع، برعاية أميركية، فوزير دفاع الاحتلال بيني غانتس أعلن عن "تحالف دفاعي جوي إقليمي، بدأ بنشر منظومات رادار تابعة للكيان الصهيوني في الإمارات والبحرين".
الفكرة إذاً ليست أردنية خالصة؛ ولا حتى عربية بحتة، هناك طرفان يروجان لتحالف عربي –"إسرائيلي": هما أميركا والكيان الصهيوني، اللذان يحرضان ضد إيران ويتخذان من عدائهم لها مبرراً لتوسيع وجودهما العسكري في المنطقة وفي الخليج تحديداً.
في هذا السياق، شهدت أروقة الإدارة الأميركية تحركات، استبقت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المزمعة خلال الأيام المقبلة، إلى منطقة الشرق العربي، عبر تقديم نواب من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، مشروع قانون يهدف إلى دمج دفاعات جوية لتسع دول عربية هي: دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى العراق والأردن ومصر مع الكيان الصهيوني.
وما يُؤكد أن فكرة تكوين "الناتو" المزمع "إسرائيلية" المنشأ، هو بدء الكيان الصهيوني نشر منظومات إنذار مبكر في دولة الإمارات. كما أن محادثات الكيان الصهيوني شملت دولاً مثل مصر والمغرب والبحرين لتشكيل حلف مشترك.
بدوره، وزير دفاع العدو "الإسرائيلي" بيني غانتس صرح بأنهم مستعدون لتطوير خطة واسعة مع البنتاعون، لتعزيز التعاون بينهم وبين دول المنطقة، تحت رعاية القيادة المركزية في الجيش الأميركي، متمنيا أن تتواصل الجهود الهادفة لدفع هذه الخطة قدماً، تحديداً أثناء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لكل من الكيان "الإسرائيلي" والسعودية، في الشهر الحالي.
وفي الوقت الذي جرت فيه مفاوضات بين السعودية وإيران، لإيجاد تقارب حول القضايا المختلف عليها؛ واحتواء الخلافات القائمة بين البلدين، خرجت القناة 12 "الإسرائيلية" بخبر تقول فيه بأن الكيان ينتظر موافقة الرئيس الأميركي بايدن، على تسليم نظام دفاعي جوي "إسرائيلي" يعمل بالليزر، إلى الدول العربية المتحالفة معهما، بما في ذلك السعودية لـمواجهة إيران.
ويبدو الإنصياع السعودي والأردني واضحاً لهذا المشروع "الإسرائيلي" المغطى أميركياً، فالمملكتان على توافق ظاهري تام هذه الأيام، على الرغم من العداوة التاريخية التي تفرق بينهما، منذ أن أطاح عبد العزيز آل سعود بحكم الشريف حسين، الجد الأكبر لملك الأردن وطرده مع القبائل الموالية له ليلجأ إلى شرق الأردن.
كذلك يبدو من التقارب في المواقف السعودية و"الإسرائيلية"، أن مسألة التطبيع بينهما هي مسألة وقت، خصوصاً إن تشكيل "ناتو عربي-إسرائيلي" لن يكون مفيداً من دون مشاركة السعودية، التي تترأس وتقود النظام الرسمي العربي هذه الأيام، بعدما غيبت إتفاقية "كمب ديفيد" مصر عن دورها؛ وتكفل العدوان الأميركي المباشر بتهميش ادوار العراق وسورية وغيرها من الدول العربية، التي كانت ترفض السياسات السعودية. وفي الحد الأدنى سيعمل بايدن على إشهار وتمتين جسور التواصل السياسي والاقتصادي بين الرياض وتل أبيب. لذلك توقع وزير خارجية العدو "الإسرائيلي" يائير لابيد، بأن يطرأ تحسن على العلاقات مع السعودية، بعد الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن، التي ستشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية. وقال لصحافيين "إسرائيليين": أن الجميع يتطلعون إلى السعودية. وحقيقة أن الرئيس بايدن سيسافر مباشرة إلى السعودية، ترمز للعلاقة بين الزيارة وبين العلاقات. في إشارة للتطبيع السعودي المنتظر.
وإذا كان السعي السعودي مفهوماً لإشهار العلاقات القديمة مع الكيان الصهيوني، التي إنطلقت من موافقة الملك المؤسس عبد العزيز للإنكليز، على "إعطاء فلسطين لليهود المساكين"، كذلك فإن دور مملكة المغرب في الترويج للعلاقات مع الصهيونية واضح؛ وآخر محطاته مؤتمر طنجة الشهر الفائت، الذي حضرته وفود "إسرائيلية". وفي السياق ذاته يندرج موقف دول مجلس التعاون الخليجي، تبقى عقدة نجاح أو فشل هذا الحلف العسكري، هي بقبول مصر المشاركة فيه، لأن موافقة الجيش المصري وقبوله غير مضمونة؛ وهو الذي ما زال يحمل عقيدة العداء للمشروع الصهيوني. أما العراق فقد استبق الأمر باقرار مجلس نوابه قانونا يحظر التطبيع مع "إسرائيل". فهل ينجح الأميركي و"الإسرائيلي" في صهينة أنظمة التطبيع ووضع كل مقدراتها في خدمة "إسرائيل"، أم علينا إنتظار وقائع أخرى تلوي ذراع المطبعين.