أقلام الثبات
تلقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وحزبه"معاً", صفعة غير محسوبة بدقة ,وجهها الناخب الفرنسي المجرب , بحيث لم يمر نحو شهرين على إعادة انتخابه كرئيس،في معركة لم تكن نزهة، حتى خاض انتخابات تشريعية صعبة جردت حزبه من الأغلبية المطلقة , ووضعت تنفيذ برنامجه وإنجاز الإصلاحات التي وعد بها الناخبين خصوصا ما يتعلق في القدرة الشرائية وأنظمة التقاعد في ثلاجة.
لقد تمكن اليسار واليمين من افشال الماكرونية في حيازة الأغلبية التشريعية , وهذا الامر سيدفع الرئيس وفريقه بدل انجاز الوعود التي شكلت اعمدة حملاته الى التركيز على تجميع أغلبية برلمانية عاملة لإنقاذ فترة ولايته الثانية بعد انهيار تحالفه بالانتخابات التشريعية ضد زيادات اليسار واليمين, وهذان الاخيران اطاحا بكل الاستطلاعات والتوقعات من خلال النتائج التي تشكل قفزة غير مسبوقة منذ 35 عاما خصوصا لليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان
لم تكن خسارة الاغلبية فقط مؤلمة لماكرون , وانما هزيمة ركائزه السياسية ,مثل خسارة ريشار فيران رئيس الجمعية الوطنية في الانتخابات التشريعية, وكذلك كريستوف كاستاتنير وزير الداخلية السابق في حكومة ماكرون خسر في الانتخابات أيضا،وجوستين بينا هي الأخرى خسرت في أقاليم ما وراء البحار،وفي صفعة أخرى لماكرون، من المقرر أن يخسر الوزراء الرئيسيون الذين يترشحون للانتخابات وظائفهم بموجب اتفاقية، إذ يجب عليهم الاستقالة إذا فشلوا في الفوز بمقاعد، حيث أن وزيرة الصحة بريجيت بورغينيون، ووزيرة البحرية جوستين بنين، ووزيرة البيئة أميلي دي مونتشالين – وهم من ركائز إدارة ماكرون على مدى السنوات الماضية - سيخرجون الآن من الحكومة. اضافة الى مجموعة أخرى من الوزراء في وضعيات صعبة .
ان ما عبرت عنه رئيسة الوزراء ، إليزابيث بورن، بأن نتائج الانتخابات البرلمانية، فشلت في منح الغالبية لأي حزب، يؤشر الى حساسية الوضع الناجم، وقالت بورن بالحرف "ان هذا الوضع يشكل خطرا على البلاد ، بالنظر إلى التحديات التي علينا مواجهتها".و"سوف نعمل اعتبارا من الغد على بناء غالبية قادرة على العمل".
لا يبدو ان معركة الماكرونيين ستكون سهلة ان لجهة بناء غالبية برلمانية وإن مهتزة ,من خلال تحالفات ,او تفاهمات جديدة مع تكتلات فرضت نفسها , وهو يحتاج الى ما بين 40 الى 70 صوتا اضافيا ليحوز على أغلبية 289 ,وهذا لن يحصل الابشروط قاسية تنعكس حتما على تشكيل الحكومة واقرار مشاريع القوانين في الجمعية الوطنية .
لا شك ان الفترة الرئاسية الثانية للرئيس ماكرون ستكون صعبة , وستنعكس على احلامه في لعب دور خارجي متميز كما كان يأمل , لا بل هناك احتمال جدي بان تدخل فرنسا في حال شلل سياسي اذا لحظنا شروط الكتل النيابية ,في وقت ينشغل ماكرون في كيفية تقديم تنازلات من أجل الوصول إلى أحزاب جديدة، والخيار الأكثر ترجيحا هو التحالف مع الجمهوريين، الحزب التقليدي لليمين الفرنسي، الذي يضم 61 نائبا.
لكن رئيس "LR" (حزب الجمهوريون)، كريستيان جاكوب، أوضح أنه لن تكون هناك شراكة سهلة، قائلا إن حزبه يعتزم "البقاء في المعارضة"، لكن الأصوات الأخرى من اليمين بدت أكثر انفتاحا، حيث قال الوزير اليميني السابق جان فرانسوا كوب أن "اتفاق حكومي أمر حيوي بين ماكرون و LR لمحاربة صعود التطرف".
اللافت هنا ما تعهدت به مارين لوبان الشبقة الى السلطة بعدما خسرت الرئاسيات امام ماكرون حيث وعدت أنه: بعد النتيجة التاريخية للتجمع الوطني الذي تقوده في الانتخابات التشريعية الفرنسية، "بإبداء معارضة حازمة ومسؤولة واحترام مؤسسات الدولة". وقالت لوبان بفخر أمام أنصارها ، إن الكتلة البرلمانية التي حشدها التجمع الوطني هي "الأكثر عددا بفارق كبير في تاريخ عائلتنا السياسية".مشيرة الى ان الكتلة تضاعفت 15 مرة بحيث تتكون من 89 مقعدا بمفردها .
وقال زعيم المعارضة اليسارية في فرنسا جان لوك ميلونشون الحائز مع الحلفاء على 135 مقعدا ، إن خسارة ائتلاف إيمانويل ماكرون الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية هو "قبل كل شيء فشل انتخابي" للرئيس الفرنسي.الامر الذي سيعقد مهمته الرئاسية,, إنه وضع غير متوقع بالكامل وغير مسبوق تماما.. إن هزيمة الحزب الرئاسي كاملة وليس هناك أي غالبية". الا ان ميلنشون يأمل بتحقيق الأغلبية البرلمانية لفرض مبدأ التعايش على الرئيس.
ما انتجته الانتخابات الفرنسية التي سجلت نسبة الامتناع عن التصويت 53.77%، بحسب وزارة الداخلية,وضع الادارة الفرنسية في وضع حرج , وغير مسبوق , ربما يشبه كثيرا الوضع اللبناني بحيث لا اكثرية في مجلس النواب يمكنها الامساك بالامور من نواصيها , الا ان وزير الاقتصاد برونو لومير نفى أن تكون فرنسا غير قابلة للحكم لكنه اعترف بأن "هناك حاجة إلى الكثير من الخيال" من الحزب الحاكم ,,انه "وضع غير مسبوق".