أقلام الثبات
تنطلق هذا الاسبوع جولة جديدة من التفاوض بين لبنان و"إسرائيل" بطريقة غير مباشرة، وعبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، حيث من المتوقع أن يكون لبنان أمام حلقة من أصعب المهمات التي يواجهها في المرحلة الحديثة، ويعود أسباب ذلك الى ما يلي:
- الوسيط الأميركي نفسه :
وُلد هوكشتاين في "إسرائيل" لوالدين أميركيين مهاجرين من الولايات المتحدة الى فلسطين المحتلة. خدم في الجيش الإسرائيلي من عام 1992 حتى 1995، وانتقل الى الولايات المتحدة كمتدرب، على ان يعود الى اسرائيل لكنه بقي بعد أن حصل على مناصب عدّة.
من أبرز مواضع القلق التي تحتويها سيرة الوسيط الأميركي أنه– حين كان متدرباً في الكابيتول هول- شارك في المجموعة التي قادت المناقشات الدبلوماسية الأميركية والتي كانت تضغط على العراق لرفع العقوبات الأممية عنه، مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين وسط العراق، وإلا إبقاء العقوبات سيفاً مسلطاً على العراقيين، مع إضفاء بعض "الطابع الإنساني" عليها.
وهكذا، فإن الجنسية الاسرائيلية للوسيط الأميركي تجعله مفاوضاً مباشراً باسم اسرائيل، وليس وسيطاً محايداً كما تفترض بالوساطات أن تكون، علماً ان هوكشتاين بدأ مهمته بخصوص الغاز في تموز عام 2015، حين التقى عدداً من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم رئيس الوزراء تمام سلام آنذاك، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزيري الخارجية والطاقة جبران باسيل وآرتور نازاريان، وقد تحدثت بعض وسائل الاعلام أن هوكشتاين تحدث حينها عن دعوته للبنان لتأجيل التنقيب.
- الموقف اللبناني المنقسم:
من أبرز ما يتحجج به الاسرائيلي حول عدم حسم الحدود مع لبنان، هو الموقف السياسي اللبناني المنقسم على نفسه، والذي يُعدّ من أهم نقاط الضعف اللبنانية على الاطلاق.
لا شكّ أن الاخطاء اللبنانية تبدأ بالاتفاق الذي وقعته حكومة السنيورة مع قبرص، والذي يعتمده الاسرائيلي كأساس لمطالباته، ولكن يمكن لمسألة الحدود والأخطاء في الترسيم أن تعدّل وتصحح، وهو أمر يمكن أن تقوم به الدول بإرادة منفردة كونها دول ذات سيادة. ولكن الانقسام اللبناني على نفسه والتخوين والمزايدات ونشر مداولات المفاوضات على الاعلام، وإعطاء هوكشتاين أسرار المفاوضات ذاتها، هو أمر غير مسبوق في تاريخ الدول خلال مفاوضات بهذه الأهمية، وهو أمر يثير الريبة والحزن والغضب معاً.
ويعود جزء من الانقسام اللبناني الى الضغوط الأميركية لمنع لبنان من استخراج الغاز وبالتالي إبقاء اللبنانيين تحت سيف الجوع والانهيار الاقتصادي، وذلك لأخذ مكاسب سياسية وقبوله بشروط خارجية، قد يكون منها التطبيع مع "اسرائيل" أو توطين الفلسطييين اللاجئين في أرضه ومنعهم من حق العودة الى ديارهم (كما كانت مهمة الوفد الاميركي للتفاوض مع العراق الذي شارك فيه هوكشتاين كمتدربٍ).
- المزايدات الشعبوية:
تماشياً مع الضغوط الخارجية الأميركية، والتي منعت توتال وغيرها من الشركات من الاستمرار بالتنقيب والاستكشاف وإلا العقوبات، ما جعلها تخرج من المياه اللبنانية ولا تعود ولا تصدر أي تقرير حول وجود الغاز في البلوك رقم 4 البعيد جداً عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
وبالتوازي مع تلك الضغوط، تخرج اصوات لبنانية – أما عن غباء أو سوء نيّة أو عمالة خارجية- تريد ان تمنع اللبنانيين من استخراج الغاز (أو إعادة إعمار مرفأ بيروت أو الانطلاق بورشة النهوض)، وذلك لما يقولون: "لا نريد أن نستخرج الغاز في ظل هذا العهد لئلا نعطيه انتصاراً"، أو "فليبقى الغاز في البحر، لأن المنظومة ستسرق عائداته"...
واقعياً، إن التأخير في استخراج الغاز لا يبقي لبنان تحت رحمة الضغوطات الدولية بسبب الانهيار الاقتصادي فحسب، بل إن التطور العالمي واعتماد الطاقة البديلة، قد يجعل التأخر اللبناني في استشكاف الغاز أمراً غبياً جداً، فالاستكشاف والاستخراج الى وقت طويل قبل أن نصل الى مرحلة الانتاج والبيع، وبالتالي، يمكن أن يصل الأمر، بعد عقود، أن تكون كلفة استخراج الغاز أكبر من قيمته في السوق، بسبب وجود بدائل "نظيفة" للطاقة.
في النتيجة، لا يمكن للبنان إلا أن يتعامل بمسؤولية ووعي في هذا التحدي الجديد الذي يواجهه، والذي منعه من القيام بالتنقيب خلال السنوات الماضية، أي منذ عام 2011، حين بدأت وزارة الطاقة باقرار مراسيم الطاقة للبدء بالتنقيب.
لقد تأخر اللبنانيون عشر سنوات، كانت اسرائيل خلالها تقوم بالتنقيب والاستكشاف، ووصلت الى مرحلة الاستخراج والبيع، ولبنان ما زال ينتظر على قارعة الطرق الدولية بانتظار قرار أميركي بالسماح بالبدء بالتنقيب. لن تنتهي هذه المسألة بسهولة، وبدون إستخدام عناصر القوة اللبنانية كافة، والتي يجب ان تسعى لتحصل على موافقة اميركية على البدء بالتنقيب وليس فقط حسم مسألة ترسيم الحدود البحرية.