مستقلون مع وقف التنفيذ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 27 أيار , 2022 09:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

رسم فوز عدد ممن يسمون أنفسهم "ثواراً" و"تغييريين"، في الإنتخابات النيابية ألأخيرة، صورة فولكلورية لمشهد تخطى كل الشعارات التي شهدتها مرحلة ما قبل 15 أيار. مشهد ضاعت فيه "إستقلاليتهم" بين تقليل الوكيل السابق لوزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل من تأثيرهم؛ وبين اعتبار السفير السعودي وليد البخاري أنهم انتصار حققه. ناهيك عن أنهم بحد ذاتهم، مشهد يشي بفردية لا تهتم ولا تسعى لتكوين فريق عمل، لم يجعله التحرك في الشارع متجانساً، فمن أين يأتي التجانس بعد تحقيق مبتغاهم وبلوغهم نهاية الشوط.

البعض قال ان عدد النواب المستقلين خمسة عشر، لكن ديفيد هيل قال أنه علم بأن عددهم 13، حسب قوله لفضائية "تغييرية". وأنه يرى  "أن هذا وحده ليس عاملا كافيا لاحداث تغييرات"، خصوصاً أن عددهم ينقص أو يزيد بين يوم وآخر.

هذه الإطلالة لمن اعتبروا أنفسهم "ثواراً" و"مستقلين"، تؤكد بطلان ما سمي "ثورة 17 تشرين"، التي بدأت إنتفاضة شعبية حاشدة، إغتصبتها إحزاب السلطة وميليشياتها، عندما قطعت الشوارع وادعت النطق باسم المحتجين؛ وحولت الحراك الشعبي إلى كباريهات وحفلات رقص وتحشيش وعربدة. ولم تكتف بمنع اللبنانيين من التحرك من وإلى أعمالهم، بل انها كثيراً ما قمعتهم واعتدت عليهم، على حواجز "الثورة" التي اعتبرها اللبنانيون حواجز الزعران والشبيحة وقبضايات الأحزاب. الأحزاب ذاتها التي سبق ان شغلت تلك الحواجز، خلال الحروب الأهلية والصدامات الطائفية، التي شهدها لبنان خلال العقود الماضية.

جاءت الإنتخابات لتكشف أن تلك الأحزاب التي إعتدت على الناس على حواجز "الثورة"، خصوصاً جنوبي بيروت وشمالها وعلى طرقات الجبل والبقاع، هي ذاتها تولت مساعدة المرشحين "الثوار" ودعمتهم بالأصوات اللازمة للفوز بعضوية المجلس النيابي. هكذا جرى في أكثر من منطقة، مثل عاليه وحاصبيا وجزين وغيرها. حتى إن نوادي "الروتاري" العالمية، لم تتأخر عن تبني عدد من "الثوار" الفائزين. بل أن القوى التي كانت ضد "الثورة والثوار"، نالت حصتها من النواب "التغييريين والسياديين".

وما أن بدأت ولاية المجلس النيابي الجديد؛ وبينما الأوصياء يتنافسون على عدّ الأتباع وهل باتوا بهم يملكون الأكثرية النيابية، حتى بدأ التندر عن تزاحم "الثوار" وجماعة التغيير، على نوعية المكاتب التي ستخصص لهم وعلى أحجامها وإطلالات نوافذها. والبعض أصرّ لغاية في نفسه، على طلب المكتب الذي كان يشغله سعد الحريري. وهناك من طلب ان يخصص له الرقم النيابي الذي كان مسجلا على سيارة الحريري، أو اراد رقماً مميزاً معيناً يناسب يوم ميلاد زوجته أو إبنته. وهناك من إستغل "المستقلين" ليدعي ان نجاحهم قابله إسقاط حلفاء سورية، قبل ان يتنبه إلى أن أحد الفائزين "التغييريين"، أحتفل مع أقاربه بفوزه وسط أناشيد تصدح بمدح الرئيس السوري بشار الأسد؛ وتشيد بصموده في وجه المؤامرة الدولية التي استهدفت بلاده طيلة عقد مضى. كما ان "ثائراً تغييرياً" خيب آمال أصحاب هذه الرهانات، عندما كشف انه مقاوم قديم سبق ان أعتقله العدو "الإسرائيلي" وانه ضنين على المقاومة وسلاحها ودماء الشهداء. واخر تبين انه قريب من السلفيين ويتناقض بالكامل مع بعض زملائه، ممن يرفع شعارت التمسح بالمدنية لتبرير تبني مطالب المثليين وشعاراتهم. كما ان البعض لم يخف انه "مستقبلي حريري مضمر". أو أنه نقل البندقية من كتف إلى آخر ليصبح "سعودياً" خالص الولاء للملك وولي عهده.

معظم النواب الجدد، أو اكثريتهم المطلقة، حافظت على "بوصلة" الثورة"، التي تعني غياب البرنامج السياسي الموحد وعدم الإنخراط في تكتل واحد. وكذلك ارتبطت سراً أو علناً، بزعامات واحزاب تقليدية لا علاقة لها بالتغيير ولا بأي تفكير ثوري. حتى أن من جاء في سياق إستمرارية التمثيل النيابي لعائلته، لم يتورع عن إدعاء الإنتماء للثورة. فباتت "إستقلالية" و"ثورية" النواب "التغييريين"، الذين فازوا في الإنتخابات الأخيرة من خارج لوائح التقليديين، مجرد دعاية إنتخابية طويت شعاراتها قبل إعلان النتائج النهائية للإنتخابات، فيما كان التحدي الذي فشل معظمهم فيه، هو التبرؤ من هذا النظام القائم على التمييز والمحاصصة والزبائنية، المرتكزة إلى تحالف زعماء الطوائف واصحاب المصارف.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل