اوروبا بلا خبز ولا كهرباء.. والصناعة في مهب الريح‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 24 أيار , 2022 10:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مع انتهاء الشهر الثالث من العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا , ارتفع الحديث , لا بل انه الحديث السائد دوليا , عن مجاعة حقيقية تجتاح العالم , الى جانب أزمة الطاقة في الدول الاوروبية على وجه الحصوص, بموازاة إعلان الدول تلك ان أمنها الغذائي , والطاقوي , مهدد فعليا , والسبب الرئيسي ان النخب الحاكمة قبلت ان تكون دمى تحركها اميركا , دون الأخذ بالاعتبار الحد الادنى من مصالح شعوبها.
لا تقتصر الهموم الاوروبية على قطاعي الخبز والطاقة , فمسألة الأمن الوطني عادت الى الواجهة , وبقوة جراء التبعية شبه المطلقة لإدارة حلف الناتو المهيمن عليه اميركيا , وقد أكد مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والخارجية جوزيب بوريل في هذا الاطار ، أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى قوات مسلحة أوروبية لضمان أمنها مع الاعتراف بان اوكرانيا التي زجها الاطلسي كواجهة لمحاربة روسيا ,استنزفت المخزون التسليحي للقارة واعلن  أن مخزون المعدات العسكرية لدول الاتحاد الأوروبي قد استنفد فيما يتعلق بتقديم المساعدة لأوكرانيا. وكتب "استنفاد المخزونات نتيجة الدعم العسكري الذي قدمناه لأوكرانيا هو أوضح مثال على أوجه القصور (في دفاع الاتحاد الأوروبي)".
واذا كان الأمن عادة هو الضامن الأساسي للتنمية، وعلى كل المستويات , بات ملموسا بشكل جدي ان التنمية الى تراجع صارخ وخطير , مع توقف الكثير من المصانع الاوروبية عن العمل لحاجتها القصوى الى مواد اولية سواء من روسيا , او اوكرانيا , الى جانب حاجة تلك الدول الى الحبوب والزيوت كعناصر غذائية يستحيل الاستغناء عنها , وكذلك الى الاعلاف الحيوانية , والمغذيات والمبيدات الزراعية التي تدخل بقوة في عملية الانتاج.

 ان الاوروبيين المتعاظمة هواجسهم الأمنية على مختلف المستويات، يتطلعون حاليا الى الاكتفاء ب"ترقيع" الأمن الغذائي، سيما ان قادتهم يرون انهم حققوا "انجازا" يعتد به من خلال الضغط على أوكرانيا لشحن احتياطيات القمح من منشآت التخزين في ميناء أوديسا إلى أوروبا، عبر طرق بديلة ، على الرغم من خطر نقص الحبوب في الدولة نفسها. وهذا الالزام لأوكرانيا ليس مدفوع الثمن بل هو "استيفاء الدين" مقابل الاسلحة التي ذهبت تحت مسمى مساعدات عاجلة، بينما هي ديون كانت مؤجلة , ولم تعد كذلك, فيما  "السلطات الأوكرانية التي تراهن على الوهم الاميركي ,لا تهتم بمصير شعبها, وتخضع للضغط , وتضع مطالب المسؤولين الأوروبيين على رأس الأولويات", لان الاتحاد الأوروبي هو أحد الدائنين الرئيسيين لأوكرانيا، وأحد أهم مورّدي الأسلحة، وبشكل عام هو القوة التي تعتمد عليها" سلطات كييف . وبالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي يواصل تقديم المساعدة المالية لأوكرانيا، فيمكنه أخذ هذه الحبوب مجانا، لسداد ديون كييف".

معاناة الشعوب الاوروبية الناجمة عن انخراط العديد من حكومات القارة التي لا حول لها أمام الجبروت الاميركي ليست موضوعة ضمن مقاربة جدية وصحيحة من جانب الحكومات، لكن بعض الاعلاميين المغامرين بمصيرهم لا يتوانوا عن كشف الحقائق امام الجمهور, وفي هذا الاطار  قالت قناة N-TV الألمانية، إنهم يتحدثون كثيرا في أوروبا عن حظر النفط والغاز الروسي، ولكن يتم عن غير قصد أو عمد التزام الصمت بشأن اليورانيوم المخصب من روسيا, فالاتحاد الأوروبي يعتمد عليه أكثر من الاعتماد على الغاز. والحديث هنا يدور كذلك عن الارتباط التكنولوجي، الذي لن تتمكن المحطات الكهروذرية الأوروبية من تخطيه من دون إلحاق أضرار جسيمة بالإنتاج.

لقد حذر الخبراء من أن إغلاق "صنبور اليورانيوم" من روسيا، يهدد بتقويض إمدادات الطاقة الكهربائية في دول بأكملها. فالاتحاد الاوروبي وفقا لبعض المعطيات يشتري حوالي 40٪ من اليورانيوم المخصب الضروري لتشغيل محطات الطاقة النووية من روسيا وكازاخستان ذات العلاقة الوطيدة مع الكرملين.

خلال سنوات طويلة، استثمر الكرملين المليارات في تحسين العملية التكنولوجية لتخصيب اليورانيوم وتمكن من تحقيق النجاح؛ وتعتبر المنشآت الروسية من بين الأفضل في العالم. بالإضافة إلى ذلك، هناك 18 دولة في الاتحاد الأوروبي توجد بها مفاعلات نووية روسية، بما في ذلك اثنان في بلغاريا، وستة في التشيك، و 2 في فنلندا، و 4 في هنغاريا ونفس العدد في سلوفاكيا. وتؤكد الرابطة الأوروبية للطاقة الذرية، أن أوروبا في هذا المجال تعتمد بشدة على روسيا، لأنه يجب بشكل دوري استبدال مفاعلات الماء المضغوط، وهي تعمل فقط بقطع غيار روسية الصنع. ويستمر التعاون في هذا المجال على الرغم من القتال في أوكرانيا، الذي تسبب برفع سعر اليورانيوم في السوق العالمية بنسبة 30٪ ووصل إلى أعلى قيمة في السنوات الـ 11 الماضية.

وفي الحقيقة ان العديد من مشغلي محطات الطاقة النووية الأوروبية، يخشون أن توقف روسيا توريد اليورانيوم لهم، لأن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على الغرب الذي يبحث عن طرق وأمكنة أخرى للطاقة، من الجزائر الى السنغال والكيان الصهيوني عبر مصر وكذلك اليونان , لكن البنى التحتية لعمليات النقل غير متاحة , ولن تكون متاحة خلال أشهر , حتى لو انطلق العمل لإنشائها اليوم فهي تحتاج الى موازنات وخطط ليست على الطاولة بعد.

يعتقد الغرب انه من خلال العقوبات المتنامية على روسيا , وفي كل المجالات بما فيها عمليات السطو على الاموال الروسية سواء العامة او الشخصية في الدول الغربية يمكن ان تثني روسيا عن الاهداف التي حددتها , وعلى رأسها قيام عالم متعدد الاقطاب , لا يخضع للتسلط الاستعماري الاميركي, وتحويل العالم الى سوق للبضائع الاميركية , التي تنتج , بايد عاملة ستكون رخيصة جدا فيما لو قيض لواشنطن التسلط الكامل على اوروبا ,ودول اسيوية مثل اليابان وتايوان وغيرها.

 أن روسيا تواجه تحديا حضاريا,على كل المستويات . فـ "بفضل مواردها، تعد روسيا "بنك طاقة" للاقتصادات الأخرى في البلدان النامية، بما في ذلك الهند والصين، والتي لن تسمح بعزل الاتحاد الروسي، بل ولا يمكن تقنيا أن تعزل روسيا في الاقتصاد العالمي، وإلا فسوف يكف الاقتصاد العالمي عن الوجود بوصفه عالميا،, والدليل الاسطع انه في ذروة العمليات العسكرية  "قفز الروبل بما يصل إلى 9٪ مقابل اليورو وأصبح أقوى بنسبة 2.8٪ مقابل الدولار في موسكو. وقال تقرير نشرته بلومبيرغ، العملة الروسية هي الأفضل أداءً على مستوى العالم هذا العام" وهو عند أعلى مستوى في خمس سنوات مقابل اليورو حيث بدا أن المزيد من الشركات الأوروبية تمتثل لمطلب فلاديمير بوتين بالتحول إلى الدفع بالعملة الروسية مقابل الغاز الطبيعي".

ليس خبرا مستهجنا بان تكشف  وسائل إعلام اميركية , إن السلطات الأميركية تستعين بطائرات البنتاغون لشحن حليب الأطفال من الخارج وسط نقص حاد في البلاد بسبب تعطل سلاسل التوريد ونقص المواد في السوق. وهو الامر - اي سلاسل التوريد - تعهد الرئيس الاميركي من اليابان بالبحث عن حل لها , في وقت يتنامى الحديث في الولايات المتحدة عن أن عدم وجود أهداف أميركية واضحة في أوكرانيا قد يؤدي إلى تكرار السيناريو الذي واجهه الأميركيون في العراق أو أفغانستان، وقالت عضو الكونغرس السابقة تولسي غابارد، لقد "فشلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تحديد المهام في هذا الصراع. "الشعب الأميركي له الحق في معرفة كم تكلفه أوكرانيا، وما الذي سيحصل عليه نتيجة اهتمام واشنطن بدول ما بعد الاتحاد السوفيتي".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل