مقالات مختارة
يتوجّس اللبنانيون اليوم من مرحلة ما بعد الإنتخابات، تحديدًا حول ما تمّ الترويج له مؤخّرًا بأنّ هناك سلّة ضرائبيّة تحملها لهم موازنة 2022، وبأنّ إصلاح الدولة سيكون من جيوبهم الخاوية.
ويزيد من صعوبة الوضع الإقتصادي عدم إقرار الموازنة قبل الإنتخابات، علما أنّ أقطاب الدولة يدركون جيّدا صعوبة وربّما استحالة تمريرها بعد الإستحقاق مباشرة، نتيجة التعقيدات في المشهد السياسي اللبناني على مستوى انتخاب رئيس للبرلمان وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية، وهي استحقاقات لطالما شكّلت ـ ولا تزال ـ انقسامات حادّة بين أطراف السياسة في البلاد.
فهل اللبنانيون على موعد مع ضرائب جديدة؟
الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكّوش يرى في حديثه لموقع "العهد" أنّه كان من المفترض أن تقدّم الموازنة إلى مجلس النواب منذ شهر آب/ أغسطس 2021 وتقرّ من قبل الهيئة العامة للمجلس في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ولكن ذلك لم يحصل، واصفًا إيّاها بـ"التقليدية" جدًا، وبأنّها تتضمن عجزًا بحدود 20% (حوالي 10268 مليار ليرة)، وأنّها خالية من أيّ بنود إصلاحية، فيما الزيادة الوحيدة فيها كضريبة جديدة هي إضافة 3% كرسم جمركي إضافي على كلّ السلع المستوردة من الخارج لمدة 7 سنوات فقط، وزيادات أخرى من خلال تعديل سعر الصرف، ومنها رسم خروج المسافرين البالغ نحو 35 دولارا (50 ألف ليرة سابقا ـ 1.70 سنتا تقريبا اليوم)، وكان الوارد تثبيته على سعر صرف الدولار، وفرض رسم جمركي 10% على السلع المستوردة في حال كان يصنع مثيل لها في لبنان، تعديل وزيادة رسوم المرافىء والمطارات، زيادة رسوم الأشغال الطوبوغرافية ورسوم المساحة لتصبح بين 1.2 و 4 ملايين ليرة، زيادة الرسوم العقارية، زيادة قيمة الرسوم على جوازت السفر، إستيفاء الرسوم بالدولار في كلّ السفارات وغيرها الكثير، وتمّ منح وزير المال صلاحية تشريعية لمدة سنتين بتعديل التنزيلات والشطور والمعدلات المتعلّقة بالضرائب وتحديد سعر الصرف لتحدّد على أساسه الرسوم الجمركية الجديدة وTVA، ما يعني أنّه لم يحدّد سعر الصرف بالموازنة.
كيف تصل هذه الزيادات إلى جيب المواطن؟
يجيب عكّوش أنّ رفع الرسوم وتعديل سعر الصرف (وفق سعر30 ألف ليرة على سبيل المثال)، يعني زيادة بنحو 20 ضعفا، فإذا كانت قيمة الـ TVA على سلعة معيّنة حوالي 1100 دولار أي بحدود المليون و650 ألف ليرة وفق دولار1500 ليرة، ستصبح قيمتها وفق بحدود 33 مليون ليرة، ومثلها الرسم الجمركي فإذا كان يبلغ 3000 دولارا أي 4.5 مليون ليرة سابقا، سيصبح 90 مليون ليرة، ما سينعكس زيادة كبيرة في الأسعار، إنّما هناك بعض الأصناف غير خاضعة للرسوم الجمركية و TVA كالخضار والفواكه والحبوب أو أنّ رسمها لا يتجاوز3%، فيما الزيادة الكبرى ستكون على سلع أخرى منها منظفات المنازل، السيارات، قطع الغيار، المواد الغذائية المعلبة وغيرها، لافتا في المقابل إلى أنّ التجار يبيعون المستهلك اللبناني اليوم وكأنّهم يدفعون الرسوم الجمركية و TVA وفق سعر 30 ألف ليرة، ويذهب الربح بهذه الرسوم نسبيا للتاجر.
عيوب الموزانة!
بعيدًا عن شجع التجّار، يرى عكّوش أنّ المشكلة الكبيرة في الموازنة هي أنّها لم تشتمل على إصلاحات لناحية الرواتب والأجور للقطاع العام، لافتًا إلى أنّه من المهم أن تزيد الدولة الضرائب والرسوم وتحصّل حقها ولا تتركه للتاجر، ولكن بشرط أن يتزامن مع عملية إصلاح الرواتب والأجور، فاليوم تجاوز الدولار عتبة 30 ألف ليرة ولا تزال الرواتب والأجور وفق دولار 1500 ليرة، حيث يبلغ راتب الموظف في القطاع العام بين 1.5 و2 مليون ليرة، متسائلا: "بعد في موظف يروح على وظيفته بهالراتب؟"، فضلًا على انعكاسات ذلك على سير عمل هذه المؤسسات ما يمكن أن يؤدي إلى تعطيل شبه كامل لها وربما إقفالها.
وبمتابعة ثغرات الموازنة يلحظ عكّوش أنّها لم تضع إصلاحات لتحفيز وحماية القطاعات الاقتصادية المنتجة كالصناعة والزارعة، وكان يفترض أن تتضمن الموزانة إصلاحات في بنود أساسية منها ضريبة الثروة على الأموال المنقولة وغير المنقولة ما يؤمّن للخزينة أكثر من 5 مليار دولارا ويخفض عجز الموازنات لفترة طويلة، فرض الضريبة الموحّدة التصاعدية، تصحيح الرسوم على الأملاك البحرية، كما وزادت الحكومة عامل الإستثمار في بعض العقارات ما سيزيد أرباح أصحابها في حين كان يجب فرض رسوم على هذه الأرباح لصالح الدولة.
ماذا عن سعر صرف الدولار؟
يتخوّف اللبنانيون من الحدّ الذي يمكن أن يصل إليه سعر صرف الدولار بعد الإنتخابات على وفع تفلّت مؤخرًا جعله يتجاوز عتبة الثلاثين ألف ليرة للدولار الواحد، وأكّد عكّوش بأنّه نتيجة عدم إقرار قوانين الموازنة والكابيتال كونترول وخطة التعافي قبل الإنتخابات، فإنّنا ذاهبون إلى انهيار بسعر الصرف لأن تشكيل الحكومة والمصادقة على البيان الوزاري عادة ما تأخذ وقتًا كبيرًا جدًا في لبنان موضحًا أنّ حاكم مصرف لبنان ليس بوارد الإستمرار في دعم الليرة وسيترك "السوق" للسوق السوداء، وحتى لو تدخل فلن يكون بحجم ما قبل الإنتخابات فتدخّله سابقا كان بأمر من السفارة الأميركية حتى يتم إنجاز الإنتخابات، ولا أحد يضمن هذا التدّخل بعدها.
عكوش توقّع أن "يرتفع سعر صرف الدولار ولا يستطيع أحد أن يقدر حجم ارتفاعه، ولا يوجد أي شيء يمكن أن يكفل إستقراره سوى إقرار القوانين السالفة الذكر"، لافتًا الى التأثير المخيف للإنقسام السياسي في لبنان، ومضيفا إنّ إقرار القوانين المطلوبة يمكن أن يطول لأشهر كونها مقدّمة من الحكومة السابقة وربما يرفض المجلس الجديد إقرارها لأنّه لم يقدمها ولن يتحمل مسؤوليتها.
برأي عكّوش الوضع في لبنان ذاهب نحو الأسوأ وتحسّنه مرهون بالتقاطعات السياسية وما إذا كان سيتوقف الإشتباك السياسي، وستكون عملية اجتماع المجلس وانتخاب رئيسه سلسة، ومثلها تكليف وتشكيل الحكومة والمصادقة على البيان الوزاري، مؤكّدا أنّ لا أحد اليوم يستطيع التكهن بهذه الأمور فالإشتباك السياسي قائم بين الأطراف وقد يستمر لأسابيع أو أشهر أو سنوات لا أحد يعلم!
ملامح الفترة القادمة
لم يتوقّع الأستاذ الجامعي ومدير المعهد الأوروبي لدراسات الشرق الأسط الدكتور حسين منصور في حديثه لموقع "العهد" أن تكون هناك ضرائب مباشرة أو جديدة تفاديا لنقمة شعبية، محتملًا عدّة سيناريوهات منها رفع قيمة الدولار الجمركي بحيث تختلف تسعيرة الدولار بالنسبة للضرائب الجديدة، فالضريبة التي كانت تحسب وفق دولار 1500 ليرة، يمكن أن تحسب وفق رقم قد يبدأ من 3000 وصولا إلى 10000 ليرة على سبيل المثال، بخاصة السلع الترفيهية.
يعتقد منصور أنّ الفترة القادمة ستكون صعبة جدًا، حيث بدأنا نشهد ارتفاعًا في سعر صرف الدولار على المدى القصير، وسنشهد ارتفاعا في الأسعار على المدى المتوسط، فيما ستزداد نسب الفقر والمشاكل الإجتماعية على المدى البعيد، لافتا إلى أنّه يمكن أن تطول هذه الفترة لأنّ الانتخابات أفرزت أفرقاء مختلفين بشكل عامودي، والمشاكل بينهم جوهرية وسيكون من الصعب تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية.
منصور أكد أنّه مع كل مطب من هذه المطبات ستحصل "شوشرة" سياسية ستؤدّي لارتفاع الدولار والأسعار، متوقّعًا ارتفاع الدولار أكثر كلما امتدّت الأزمة خاصة أنه لن يكون هناك رئيس جمهورية ولا حكومة بعد فترة، ومجلس النواب منقسم، وبالتالي لن يكون هناك حلول اقتصادية في ظلّ خلافات مع حاكم المصرف المركزي الذي كان يدعم الليرة لفترة معينة وفق اتفاق بينه وبين رئيس الحكومة -على ما يقال- لتثبيت سعر صرف الدولار إذ كان يضخّ شهريا حوالي 250 مليون دولار.
ينتظرنا رفع الدعم
منصور لفت كذلك إلى احتمال رفع الدعم، إذ كلما نقصت العملة الصعبة في المصرف المركزي كلّما قلّ دعم السلع والبضائع، فهناك جزء صغير مدعوم عبر منصة مصرف لبنان بفارق يتراوح بين 7 و9 آلاف ليرة عن السوق السوداء، مشيرا إلى أنّ هذا الدعم يمكن أن يتوقف ما سيترك أثرًا كبيرًا على أسعار جميع السلع، عطفًا على أزمة أوكرانيا وما نتج عنها من أزمة طحين ومواد غذائية وإعلان الهند أنها ستوقف صادرات القمح، وأيضًا إرتفاع أسعار النفط والبنزين والغاز وبالتالي ارتفاع سعر كل السلع التي تعتمد على المواصلات، مشيرا إلى أنّ ما ينتظر اللبنانيين ارتفاعا كبيرا في الأسعار وفي سعر الدولار وسعر بعض الرسوم والضرائب مستبعدا زيادة الضرائب على سلع أساسية فالمواطن لا يتحمّل والدولة تعي ذلك ولن تستطيع تحمل نقمة شعبية جديدة.
بالنتيجة.. لا يزال المشهد الضرائبي ضبابيّا إلى حدّ ما، شأنه شأن ضبابيّة المشهد السياسي القادم، لتبقى الحقيقة الوحيدة هي المزيد من الإرتفاعات والزيادات بعد الإنتخابات في أسعار كلّ مقومات الحياة.. والله يعين الفقير!
يمنى المقداد ـ العهد