أقلام الثبات
قراءة سياسية لنتائج الانتخابات النيابية في لبنان بما انتهت إليه من نتائج تفترض بمنطقية وموضوعية، أولاً ألاّ تُقرأ في اللحظة الزمنية لظهور تلك النتائج، وما فاز به كل فريق من مقاعد في البرلمان الجديد. وثانياً، العناوين التي خيضت باسمها معركة الانتخابات، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ في لبنان فريقين أساسيين متصارعين، الأول فريق مدعوم أميركياً وإقليمياً بقيادة سعودية مباشرة، من الواضح أن حزب "القوات" يتصدر زعامته. أما الثاني فريق مُكون من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفائهم. وفريق ثالث ولد من رحم ما سمي ب"الحراك المدني"، في تشرين 2019، على طريقة ما سمي بالثورة البرتقالية الأوكرانية في العام 2004 بحجة التدخل الروسي. ومكون الفريق الثالث خليط من جمعيات ومنتديات وملتقيات وجماعات "NGO" ونخب مجتمعية وإعلامية وحقوقية. الفريق الأول الذي خاض ويخوض معركته في مواجهة الفريق الثاني منذ سنوات طويلة، كانت تستهدف بوضوح المقاومة بعنوان حزب الله وسلاحه وشيطنته كأداة لتنفيذ أجندة إيرانية في لبنان وعموم المنطقة. محملين إياه مسؤولية ما أصاب لبنان من انهيار اقتصادي أولاً. وبالتالي السعي إلى فك تفاهم مار مخايل العام 2006 بين التيار الوطني الحر وحزب الله، من أجل رفع الغطاء المسيحي عن المقاومة وسلاحها ثانياً. وتحميل الحزب مسؤولية تخريب علاقات لبنان مع الدول الخليجية وتحديداً السعودية ثالثاً. وهذا ما كانت تجاهر به تلك القوى علناً بأنّ مواجهتها وصدامها في لبنان مع المشروع الأخر ، وهي من اجل تحقيق هذا الهدف وضعت نفسها في تصرف السياسات الأميركية المعادية لحزب الله، وسلكت كل الدروب لضربه وصولاً إلى القضاء عليه. وهنا وفي سياق إنعاش الذاكرة لكل ما سعت إليه الإدارات الأميركية لتقويض دور وحضور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية علينا أن نتذكر الآتي:- 1. صحيح وإن كان القرار 1559 عام 2004 يستهدف الوجود العسكري السوري في لبنان، والذي تمّ بعده اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. إلاّ أنّه استهدف أيضاً ما أسموه سلاح المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، أي حزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة. 2. العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، والذي شُنَّ بتحريض البعض العربي وموافقة أميركية، بهدف القضاء على المقاومة وسلاحها بعنوان حزب الله. وجميعنا لا زال يتذكر ما صرحت به وزيرة الخارجية الأمريكية آنئذ "كونداليزا رايس" ومن قلب بيروت حين قالت: "إنّ ما يشهده لبنان هو مخاض لشرق أوسط جديد".
بمعنى أنّ تنفيذ هذا المشروع ومعه مصطلح الفوضى الخلاقة، لا يمكن أن يتحقق طالما أنّ هناك مقاومة تعلن صراحة عداءها للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة.
3. دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماع لها في أذار 2016 قررت تصنيف حزب الله منظمة إرهابية. ويومها صرح أمين عام المجلس عبد اللطيف بن راشد الزياني "أنّ دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميلشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها". وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد أكدت تأييدها التام لقرار السعودية، بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع لبنان، ووقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في البلاد، إثر تصرفات حزب الله وخطفه لارادة الحكومة اللبنانية وقرارها. كما طالبت دول الخليج، الحكومة اللبنانية، بـ"إعادة النظر في مواقفها وسياساتها"، معربة عن "أسفها الشديد لأن القرار اللبناني، أصبح رهينة لمصالح قوى إقليمية خارجية". وبدوره في أذار من العام 2016 مجلس جامعة الدول العربية، وفي ختام أعمال دورته الـ 145 على مستوى وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، قرر اعتبار حزب الله اللبناني "منظمة إرهابية"
4. ديفيد هيل مساعد وزير الخارجية الأمريكية اعترف في أيلول 2020، وفي جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأميركي، أنّ الولايات المتحدة قد أنفقت 10 مليارات دولار في لبنان على الجيش والأجهزة الأمنية وعلى منظمات المجتمع المدني. ويأتي ذلك ضمن إستراتيجية مواجهة حزب الله، لأنه بات عقبة أمام مشاريع الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف إنّ الولايات امتحدة تحجب الأموال عن الشعب اللبناني عبر سياسة الخنق والحصار والتجويع.
5. مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق "ديفيد شينكر" وفي تصريحاتٍ خطيرة في ندوة ل "معهد واشنطن" تحت عنوان "ديناميات حزب الله والشيعة وانتخابات لبنان ... التحدّيات والفرص والتداعيات السياسية".أكد أنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سرّعت في الانهيار المالي في لبنان، بهدف استغلال الإدارة الأميركية لحركة "17 تشرين" من أجل تشويه صورة حزب الله وإضعافه مع حلفائه. وبأنّ بلاده في عهد ترامب "فرضت عقوبات على مؤسسات حزب الله المالية، وعلى بنك الجمّال، وعمدت إلى مزامنة ذلك مباشرةً بعد قيام وكالة موديز للتصنيف الائتماني بخفض تصنيف لبنان". مضيفا: "كنّا نحن من يقف خلف قرار خفض تصنيف لبنان الائتماني، وإدارة ترامب كانت حريصة على مزامنة إعلان خفض التصنيف مع فرضها عقوبات على بنك الجمّال، إذ فرضتها حينها في اليوم التالي فوراً". وفي السياق لفت إلى أنّ "واشنطن لم تكتفِ بهذا الحدّ، بل فرضت أيضاً عقوبات على حليف حزب الله، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل"، معترفاً بأنّ الهجوم على التيار الوطني الحر و"تصويره على أنّه فاسد" جاء بسبب علاقته بحزب الله. وواصل شينكر اعترافاته بأنّ إدارته عملت على خلق قوى بديلة في "المجتمع الشيعي" ضد حزب الله، حيث أفاد أنّ واشنطن "زرعت رجال أعمال شيعة". ولم يُخف أنه وخلال توليه منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، كان قد سافر إلى لبنان عدة مرات، وفي كل مرة كان يعقد لقاءات علنية مع رجال أعمال وصحافيين شيعة معارضين لحزب الله. موضحاً أنّ هدف هذه اللقاءات كان يتمحور حول الترويج لفرص خطط اقتصادية للمناطق الشيعية، للمساعدة على إضعاف اعتماد هذه المناطق على حزب الله.
6. لم يعد خافياً أنّ التصعيد الإرهابي للمجموعات المتطرفة ضد بيئة المقاومة وحزب الله في الضاحية الجنوبية ومناطق البقاع الشمالي في بعلبك وغيرها، التي تنامى حضورها على الجغرافية السورية بعد الحرب الكونية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية ضد الدولة الوطنية السورية. إنما جاء بتوجيهات صهيوأميركية وبتمويل خليجي، بهدف تقليب بيئة المقاومة على حزب الله وهي قد فشلت في ذلك. وفي مقاربة مع ما سبق والنتائج التي انتهت إليها الانتخابات النيابية، السؤال المشروع، هل تمكنت القوى العاملة على تقويض دور المقاومة وحزب الله من الوصول لأهدافهم بعد كل الضخ السياسي والإعلامي وحتى المالي بحسب اعتراف ديفيد هيل؟. الجواب وبعد أن هدأت قليلاً الرؤوس الحامية والمهللة والمطبلة عن اكتساحها لنتائج الانتخابات، وهزيمة حلفاء المحور السوري الإيراني. يجب التدقيق في حاصل النتائج بشكل جيد، أنّه وبالرغم تراجع قوى 8 أذار إذا جاز التعبير لأنه لم يعد موجوداً، عن تصدر الأغلبية النيابية في انتخابات 2018، غير أنّ قوى 14 أذار أيضاً إذا جاز التعبير، وهو لم يعد موجوداً بعد انكفاء تيار المستقبل عن الحياة السياسية والانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليست الأغلبية أيضاً. لكن طالما كانت قرأتنا لنتائج الانتخابات من خلفية سياسية كما الوقائع قد أثبتت ذلك، فإنّ الإدارة الأميركية والمملكة السعودية وملياراتهم، وبما اعترف به هيل وشينكر عن حرب اقتصادية لا هوادة فيها، مع ما رافقها من عقوبات وتحريض وتشويه لحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني، لم تفلح في قلب المشهد السياسي لصالح فريقها اللبناني لدفع لبنان في ظل موجة التطبيع مع كيان العدو الصهيوني التي تكتسح العديد من الدول الرجعية العربية.
والإدارة الأميركية ومعها كيانها المؤقت على أرض فلسطين، كانوا يُمنون أنفسهم بأنّ عقارب الزمن تعود إلى الوراء 39 عاماً، أي إلى زمن اتفاق 17 أيار 1983، غير أنّ هذا الزمن قد ولى كما زمنُ الهزائم.