مقالات مختارة
من المعروف أن مصرف لبنان أصدر التعميم رقم 161 القاضي بالسماح للمودعين بالليرة والدولار بسحب مبلغ محدد من وديعتهم بالفريش دولار ولكن على سعر منصة صيرفة. بعدها أصدر قرارًا مرفقًا بالتعميم المذكور يقضي بالسماح لأصحاب الحسابات بالليرة اللبنانية بالاستفادة من خلال تحويل ليراتهم الفريش - وليس ليرات الحسابات المودعة - الى دولار وفق سعر منصة صيرفة دون قيود ولا كوتا محددة وإلزم المصارف بتنفيذ هذه البند من دون أن يعطيها الحق في وضع ضوابط استنسابية كما كانت تفعل دائمًا منذ بداية الأزمة، علمًا أن مصرف لبنان هو من يؤمن لها الدولارات لإيصالها لأصحاب الحسابات. وبغض النظر عن ايجابيات وسلبيات هذا القرار على المدى المتوسط والبعيد، إلا أن هذه الدولارات تعتبر حقًا لأصحاب الحسابات لا لأصحاب المصارف، ولكن من تعود على اذلال الناس وساهم في سرقة جنى أعمارهم لن يصحى ضميره فجأة خاصةً أن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف لا تقوم بردعهم بل من الممكن أن تكون متواطئة معهم كما جرت العادة دائمًا.
اجراءات استنسابية وغير قانونية
منذ اصدار مصرف لبنان للقرار المذكور عمدت بعض المصارف في البداية الى التباطؤ في تنفيذه وفاجأت مودعيها لديها بأن سعر منصة صيرفة المعتمد لديها أعلى بكثير من سعر منصة صيرفة الرسمي المعتمد في اليوم نفسه. وعدد هذه المصارف لم يكن بالقليل، فسعر منصتهم بقي لأيام 24700 ليرة للدولار الواحد بينما سعر صيرفة الرسمي وصل وقتها الى 23300 ليرة للدولار الواحد، وسعر السوق الموازية كان ما دون الـ 24000 للدولار الواحد. وهذا يعني أنه لم يستطع أحد من مودعيها الإستفادة من هذه الدولارات ما يؤكد حكمًا أنها سيطرت بنفسها عليها من دون اعطائها لأصحاب الحق، ومن ثم لجأت بعدها إلى اجراء آخر بوضع نسبة تتراوح بين 3 و4 % على السحوبات بينما النسبة الموضوعة والمتفق عليها مع مصرف لبنان هي 1% فقط ما يعني أن هذه المصارف تتقاضى بين 30 و40 دولارًا على كل 1000 دولار مسحوب بزيادة بين 20 و30 دولارًا من دون أي وجه حق وقانوني.
وآخر الابداعات المصرفية في الاستنسابية والسرقة كانت فرض معظم المصارف باستثناء عدد قليل منها لنسبة تجميد تترواح بين 10 و20% من قيمة المبلغ المسحوب مع الزامها للمودع بضرورة وضع هذا الجزء في بطاقة مشتريات لا في بطاقة سحب الكترونية مما يجبره على استعمالها في أماكن مخصصة قد لا يكون بحاجة الى التعامل معها. مما خفف كثيرًا من نسبة المستفيدين وبالتالي بقاء الدولارات في خزنة المصارف أو في جيوب أصحابها وهذا هو أحد أبرز أهداف المصارف وأصحابها الذين لا يوفرون اي فرصة يمكنهم فيها سرقة حقوق المودعين.وايضاً هذه المصارف لا تريد ضمنًا حصول مزيد من الانخفاض في سعر الدولار على المدى البعيد لأن ذلك يساهم في انخفاض نسبة الهيركات على الودائع مما يسهل عليهم تحميل الجزء الأكبر من الخسائر للمودعين.
أين دور لجنة الرقابة على المصارف؟
كما يعلم الجميع أنه في المصرف المركزي توجد ما يسمى لجنة الرقابة على المصارف التي من المفروض أن تعمل يوميًا على رقابة حسن تنفيذ المصارف لتعاميم المصرف المركزي والتي من وظيفتها أيضًا حماية حقوق المودعين. ولكن الواضح وكما هو الحال منذ بداية الأزمة على الأقل أن هذه اللجنة لا تعمل أبدًا أو أنها تعمل فقط لحماية المصارف وأصحابها على حساب المودعين وحقوقهم، لذلك وجب اليوم من كل من يعنيهم الأمر التوجه الى هذه اللجنة الصامتة عن سرقة أموال الناس لحثها على القيام بواجبها لأن ما تقوم به المصارف مجددًا يهدد أي نية تسعى الى ضبط السوق النقدي وتهدف الى إعادة أموال المودعين من دون تحميلهم كامل الخسارة.
د. محمود جباعي ـ العهد