أقلام الثبات
من دون شك، فان الجوع يمارس هجماته في انحاء مختلفة من "الوطن العربي الكبير"، بموازاة تضخم ثروات افراد في انحاء مختلفة فيه، لا سيما في الدول التي تمول الحروب في المنطقة، وعليها، حصوصا تلك النفطية، والاكبر والاكثر انتاجا بينها، مملكة ال سعود .التي تصرف نسبة عالية من المداخيل على الحروب العبثية، والتي لو استثمرت في التنمية لدى الدول الاكثر فقرا، والفقيرة مع احترام خياراتها والاخذ بعين الاعتبار امل شعوبها، لوجدت امكنة كريمة على الخارطة العالمية تحت الشمس .
لقد ذكر اخر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن 69 مليون شخص في العالم العربي عانوا من سوء التغذية عام 2020، وأن ثلث سكان المنطقة البالغ عددهم 420 مليون نسمة، اي141 مليون بشري في الوطن العربي لم يحصلوا على غذاء كاف.لا بل عانوا من "انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد عام 2020، بزيادة قدرها 10 ملايين عن العام الذي سبقه".وبذلك يكون الجوع قد تفاقم بنسبة 91، 1% في العالم العربي على مدى العشرين سنة الماضية، حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة.
هذا الرقم مخيف اذا لحظنا حجم الثروات المتراكمة في بعض البلدان، التي باتت نسبة المعاناة بين سكانها من السمنة المفرطة تتجاوز لدى البالغين 28، 8%، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ 13، 1%، وصولا الى 37، 5 بالمئة في السعودية .ويكشف بيان للامم المتحدة ان أكثر من 20 دولة حول العالم تواجه نقصا حادا في الغذاء، وبحاجة لتوفير مساعدات عاجلة واسعة النطاق، بالأخص اليمن وجنوب السودان وشمال نيجيريا. لكن النقص الحاد في الغذاء يهدد أيضا الكثير من بلدان آسيا (أفغانستان) والشرق الأوسط (سوريا ولبنان) وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (هايتي).. اليوم هنالك 34 مليون شخص أجبروا على العيش في مستوى شديد من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي على بعد خطوة واحدة من الجوع المطلق"وقال ديفيد بيزلي، مدير برنامج الأغذية العالمي: "تحدث كارثة أمام أعيننا. نتيجة للصراع والصدمات المناخية ووباء كورونا يطرق الجوع أبواب ملايين العائلات"، مع توضيح بسيط قوامه " أن هناك حاجة إلى 5.5 مليار دولار من الجهات المانحة لتنفيذ إجراءات الإغاثة الطارئة"وقالت الأمم المتحدة إن حوالي 16 مليون مواطن يمثلون أكثر من نصف سكان اليمن يعانون الجوع، وحذر مارك لوكوك مسؤول الإغاثة في الأمم المتحدة من أن 5 ملايين من هؤلاء على شفا المجاعة.وأوضحت معلومات الأمم المتحدة أن حوالي 80 % من اليمنيين يحتاجون للمساعدة وأن 400 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد.كما أن 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة في اليمن سيعانون الجوع هذا العام إذا لم يتوفر التمويل اللازم .
لقد فاقمت الحرب التي شنتها السعودية على اليمن اوضاعه كافة، وظهر واضحا منذ اللحظة الاولى لاخضاع البلد العريق في تاريخه، وللسيطرة على ثراوته، وهي شكلت لذلك حلفا من انظمة دول ارادات الارتزاق على حساب جيوشها وشعوبها، من اجل كسر شوكة اليمنيين، الذين ما هانوا ولا خضعوا على مدى تاريخهم، ويمكن القول ان ذلك كان منذ فجر تاريخ البشرية، وبحسب التقارير الموثقة فان مملكة ال سعود صرفت 725 مليار دولار في حربها الغاشمة على اليمن، التي اوصلت "الاخوة" اليمنيين الى المجاعة ودمرت خلالها نحو80 بالمئة من البنى التحتية من مطارًات، وموانئ، وشبكات الطرق والجسور، ومئلت خزانًات وشبكات المياه، و محطات توليد كهرباء، شبكات اتصالات، ومدارس، ومستشفيات ومركزً صحيًّة، و منشأت حكومية، ومحطات وقود و ناقلات وقود، ومئات المصانعً، و مزارع دواجن ومواشٍ، فضلا عن مئات المواقعً ألاثريًّة ومنشأت سياحية، ورياضية.وقدَّرت مجلة التايمز البريطانية تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميًّا، أي 72 مليار دولار سنويًّا فيما تقدر مصادر أخرى التكلفة بمبلغ أكبر بكثير، فوفقًا لتقديرات فورين بوليسي بلغت تكلفة الحرب التي تكبدتها السعودية في الأشهر الستة الأولى فقط والمتعلقة بالصفقات العسكرية حوالي 725 مليار دولار.
اما الامارات - الدولة الثانية في تحالف العدوان على اليمن فان التقديرات تشير إلى أنها كانت تنفق قرابة 1.3 مليار دولار على تدخلها في اليمن شهريًّا وبما يساوي 16 مليار دولار سنويًّا، بمبلغ تجاوز 65 مليار دولار منذ بدء العدوان، دون احتساب الخسائر البشرية والمدرعات والتجهيزات المحترقة في ارض المعارك، اضافة الى رواتب ومخصصات نحو 45 الف مرتزق، لكن أبو ظبي جسدت خسائرها في الحرب المستمرة حتى الان، بالسيطرة على مواقع استراتيجية هامة جعلت الصدام بينها وبين السعودية من خلال الموالين لهما يتكرر، وأبرز المواقع التي وضعت الامارات يدها عليها، جزيرة سقطرى وموانئ، ومنشأة بلحاف الغازية، أكبر مشروع يمني، وبات الموالون لها يسيطرون على عدن التي تشهد تصفيات ومعارك بين انصار التحالف الغاشم .
اذا كانت التوظيفات المالية الهائلة التي تصل الى نحو الف مليار، دون احتساب الانعكاس الاقتصادي والمالي والاخلاقي والانساني على تحالف دول العدوان، في اليمن وحده، من اجل ايصاله الى اسوأ واكبر كارثة في العصر الحديث، من ضمن الحرب الخشنة، فان من يقف فعلا وراء الحرب كما يجزم اليمنيون هي الولايات المتحدة، وهي الحرب نفسها بشكل مختلف تشنها الولايات المتحدة والسعودية والامارات على لبنان من أجل اخضاعه ضمن الاستراتيجية العامة في نزع اوراق القوة بمواجهة السياسة الاميركية الاستعمارية التي تهدف الى اطلاق يد الكيان الصهيوني في المنطقة من المحيط الى الخليج، وقد عبرت الادارة الاميركية صراحة عن ذلك بالاعلان ان وجود حزب الله في الحكومة يعيق مخططها في لبنان، وبالتالي فهذا اعتراف واقعي بان سياسة تجويع وافقار اللبنانيين فشلت رغم كل أشكال الحصار المتعدد الأوجه .
وفي هذا السياق كشفت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) عن تفاقم الفقر في لبنان "إلى حدّ هائل" في غضون عام واحد فقط، مشيرة إلى أن الفقر أصبح يطال 74 في المائة تقريبا من مجموع سكان البلاد.وأوضحت الإسكوا، في دراسة نشرتها، مؤخرا، تحت عنوان "الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة"، أن نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد تصل إلى 82 في المائة من السكان، إذا تم أخذ أبعاد أوسع في الاعتبار، مثل الصحة والتعليم والخدمات العامة.ووفقا للبيانات الحديثة الواردة في الدراسة الجديدة، تشير الإسكوا إلى تضاعف نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد بين عامي 2019 و2021 من 42 في المائة إلى 82 في المائة.
إذاً، كما في اليمن كذلك في لبنان، لقد وجد تحالف العدوان، ادوات ومرتزقة له يتصدرون الهجوم على كل من يواجه المخطط الاميركي، وهؤلاء يتم حقنهم من حين إلى آخر بجرعات اميركية مباشرة تارة عبر السفيرة الشمطاء، واطوارا من ادارتها العليا، ضمن محاولات تأجيج التناقضات ومحاولة تحويلها الى صراع دموي، وهنا يتكشف بصورة جلية ان البعض لم يأخذ العبر، ولا يزال يراوح في مرحلة عشية الحرب الاهلية عام 1975، مع العلم ان موازين القوى في هذه المرحلة مختلفة كثيرا.
لا يشك احد ان الشعب اليمني بعد السنوات الست ونيف من الحرب الظالمة، يسجل كل يوم انتصاراً جديداً، مع ان موازين القوى بالمقاييس العالمية ليست في صفه، لكنه مؤمن بعدالة قضيته، وسيواصل، اما في لبنان فان موازين القوى، ليست في مصلحة القوى المتغربة، ولا المتأسرلة، فالشعب اللبناني بمقاومته هزم دولة العدوان الاقذر في التاريخ ومعها الولايات المتحدة اكثر من مرة، ، وستكون مستقبلا وبغض النظر عن التوقيت انتصارات اقوى تدوم طويلا، ولن تجد من يشكك بطريقها.