مقالات مختارة
السيّد الأمين العام،
تكتسب زيارتكم في هذا الوقت الحسّاس من تاريخ لبنان أهميّة قصوى، حيث أنّ مؤسّسات الدولة بدأت تنهار، وسط أزمة سيادية، اجتماعية، اقتصادية، ماليّة ونقديّة، فأضحى الشعب اللبناني على شفير المجاعة. وفقاً لدراسة الإسكوا “الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة”، إنّ الفقر يطال أكثر من ثلاثة أرباع السكان في لبنان، وإذا ما تمّ أخذ أبعاد أوسع من الدّخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان.
في ما خصّ ملف التواجد السوري الطارئ، إنّ الأشقّاء السوريين في لبنان ما بين مهجّرين ووافدين، ليسوا بلاجئين، كون لبنان ليس طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951الخاصة بوضع اللاجئين. وبالتالي لا يمكنكم التعاطي مع الدولة اللبنانية وكأنها دولة لجوء ولا يمكنكم تحميلها وزر الهجرة السورية. إنّ اعتناء مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمواطنين السوريين على الأراضي اللبنانية لا يعطيهم حقاً مكتسباً بالحصول على الجنسية اللبنانية. لا تعوّلوا على نتائج اختبارات الاندماج كخطوة تؤسّس لتوطينهم، إذ إنّ المجتمع اللبناني هو مجتمع تعدّدي يقبل الآخر وهو شعب مضياف وتربيته قائمة على احترام حقوق الانسان وعدم التمييز. فخذوا العبرة من الحرب الأهلية التي أرادوها طائفية، حيث برهن الشعب اللبناني أنّ لديه الجرأة على المصالحة، وأنّ التحالفات السياسية التي نشأت ما بعد الحرب وما بعد انسحاب القوات السورية من لبنان هي تحالفات مختلطة.
إذا لديكم الرغبة الصادقة بإنقاذ لبنان، أنقذوا هويّته الثقافية، واسعَوا لاحترام كرامة المهجرين السوريين عبر إعادتهم إلى ديارهم ليمارسوا دورهم الديمقراطي حيث لهم الحقّ بتقرير مصيرهم على أرض وطنهم.
إنّ السعي لتوطين الإخوة السوريين في لبنان، ليس إلا مشروع فتنة سنية شيعيّة قد تدمّر صورة لبنان، ولا تؤدي إلا لهجرة باقي اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً.
إذا كان هدف زيارتكم تقديم المساعدة الإنسانية للسكان على الأراضي اللبنانية ومن ضمنهم المواطنون اللبنانيون، أمرٌ غير مفاجئ، إلا أنّ المطلوب إنقاذ لبنان والحفاظ على سيادته وليس إطعام الفقراء مقابل توطين الأشقاء السوريين والفلسطينيين، وليس السعي لنزع سلاح “حزب الله” بواسطة التوطين. كما وأنّ مقايضة بقاء السلاح مقابل التوطين كنتيجة لتقسيم مناطق نفوذ القوى الإقليمية على المتوسط، أمرٌ لا يستوي كونه لا يمكن فرض “الأيرنة” على الشعب اللبناني، نتيجة للاتفاق الأميركي الإيراني أو نتيجة لعدم الاتفاق.
أمّا بخصوص بسط سيادة الدولة على أراضيها ونزع السلاح غير الشرعي، إنّه لمن أهمّ مهامكم مراقبة تطبيق قرارات مجلس الأمن. فبخصوص لبنان، لم نسمع أيّ نداء يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات غير اللبنانية. ألا يشكّل نزع سلاح المخيّمات الفلسطينيّة أولوّية لتحرير لبنان من الصنف الأوّل للجزر الأمنيّة؟ هل إنّ سلاح المخيمات ومخازن السلاح في مخيّم برج الشمالي ضمن نطاق الـ”1701″ يستعمل لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي؟ لماذا شنّت إسرائيل عدوانها في تموز 2006 فور انتهاء جلسات الحوار الوطني في البرلمان والذي تقرّر فيه نزع سلاح المخيّمات؟
إنّ بسط سلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية يبدأ بنزع سلاح الميليشيات الأجنبية والمنظمات الإرهابية قبل البحث بنزع سلاح “الحزب”. فدعم الجيش لا يكون مقابل نزع سلاح “الحزب”، ولا يكون تمويل الجيش مشروطاً بأن ينزع سلاح “الحزب”.
لماذا لا يتمّ تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تلزم إسرائيل احترام السيادة اللبنانية بعيداً عن الانحياز والاستنسابية، مما قد يؤدّي إلى انتفاء الحاجة إلى السلاح لمقاومة الاحتلال؟ هل فعلاً انّ الأمم المتحدة تسعى لانسحاب العدوّ من الأراضي اللبنانية؟ أم أنّ بقاء سلاح “الحزب” ورقة إقليمية لا يجوز التفريط بها؟
أمّا بخصوص ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية، إنّ استباحة ثروات لبنان البحرية من قبل إسرائيل بغياب موقف واضح للأمم المتحدة أمرٌ مستهجن. بالرغم من أن لبنان يحترم القانون الدولي وهو طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فالانحياز واضح بجانب إسرائيل التي ليست طرفاً في اتفاقية موتيغوباي والتي لا تعترف بالقانون الدولي للبحار. إنّ الأمم المتحدة مدعوّة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية وفقاً للقانون الدولي، وعلى الأمين العام أن يقترح على مجلس الأمن تكليف لجنة أممية لترسيم هذه الحدود إضافة إلى الحدود الشماليّة مع سورية، كما فعل بشأن قضايا أخرى. إنّ دور الأمم المتحدة لا يجب أن يقتصر فقط على الاهتمام بالحدود الشرقية للبنان لناحية عدم دخول السلاح إلى “حزب الله”، بل يجب أن يتوسّع ليشمل عدم تهريب الإرهابيين الذين شاركوا في الحروب من أفغانستان مروراً بالعراق وسورية، والأهمّ، يجب أن تهتمّ الأمم المتحدة بمسألة ترسيم الحدود اللبنانية – لسورية وتثبيتها.
أمّا بخصوص دور الأمم المتحدة في وضع حدّ للإفلات من العقاب في لبنان، إنّ تجربة الأمم المتحدة للحدّ من الافلات من العقاب باءت بالفشل في لبنان، تحديداً بسبب أداء المحكمة الدولية المنشأة لمحاكمة قتلة الشهيد رفيق الحريري وآخرين. بالرغم من أنّ الأمين العام هو الذي يعيّن القضاة ورؤساء الأجهزة الرئيسة فيها وهو القيّم على إدارتها وأموالها، إلّا أنّ هذه المحكمة تميزت بطول إجراءاتها وبسوء إدارتها، وتكلّل الفشل عبر عدم توقيف أيّ متّهم أو محكوم، فكانت محكمة لملاحقة أشباح أقوى من الدولة ومن الأمم المتحدة.
وكرّرت الأمم المتحدة فشلها بملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ربما لأنها تخشى إعادة تجربة المحكمة الخاصة بلبنان. فلم ترسل الأمم المتحدة لجنة لتقصّي الحقائق ولم تساعد بتقديم الأدلّة، بل تركت السلطة السياسية تعبث بالعدالة.
أمّا في ما خصّ إنقاذ لبنان دولة وشعباً، لا يسعكم حضرة الأمين العام إلّا السعي إلى إعفاء لبنان من ديونه الخارجية، وإلى معاقبة الفاسدين في لبنان بدل تسليم فريقٍ منهم ملف مكافحة الفساد والمشاريع الإصلاحية. يجدر بكم السعي إلى إنشاء صندوق تعويضات جرّاء الأضرار التي خلّفتها الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، كما فعلتم بخصوص الكويت جرّاء العدوان العراقي.
لا تَسعَوا لمؤتمر دولي من أجل تعديل الدستور اللبناني بل من أجل احترام تطبيقه، خصوصاً وأنّ لديكم تجاربَ مريرة في سورية وليبيا، بل يقتضي عقد مؤتمر بشأن عودة المهجرين السوريين إلى ديارهم مكرّمين وفقاً لقواعد القانون الدولي، ودراسة خطّة تعيد الشباب اللبناني المهاجر ليشارك في إعادة بناء دولته. فتأسيس الدولة الجديدة يصنعها الجيل الجديد ولا يُبحَثُ مع الطبقة السياسية الفاسدة (أو ممثليها) التي دمّرت لبنان ونَهَبَت أمواله وقَتَلَت شبابه.
د. أنطونيو أبو كسم
أكاديمي وقانوني دولي – لبنان
نقلاً عن الحوارنيوز
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً