مقالات مختارة
– كان وعد الحكومة السابقة بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان بعد اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بربط رفع الدعم عن المحروقات، بالبدء بالعمل بالبطاقة التمويلية، وما نحن أمامه اليوم عملياً هو أن رفع الدعم صار أمراً واقعاً والبطاقة التمويلية يزداد مصيرها غموضاً، وتتحول من مسار شبه أكيد إلى احتمال ثم إلى سراب لا يطال.
– النظرة لنتائج رفع الدعم تكون قاصرة جداً لدى الحكومة الجديدة إذا افترض المعنيون فيها بأن الناس ستتأقلم مع نتائج رفع الدعم، وفقاً لما سبق ونشر عن لسان حاكم المصرف المركزي ونظرية «اللبنانيين بيتعودوا»، فالواجب أن يعرفه الجميع أن القضية هنا ليست في الإرادة، فاللبنانيون تعبوا ولا يثقون بجدوى التحرك بعد النتائج الكارثية للتلاعب بانتفاضة 17 تشرين، وهذا صحيح، لكن الصحيح أكثر أن الأمر هنا مرتبط بالقدرة، فلا قدرة للبنانيين على تحمل نتائج رفع الدعم وتكفي حسبة بسيطة لكلفة انتقال ذوي الدخل المحدود، المقدرة بـ 120 ألف ليرة يومياً، لمعرفة أنها تعادل أربع مرات الحد الأدنى للأجور، واستنتاج أن كل شيء سيتوقف في البلد ما لم يتم اتخاذ قرارات تؤمن دخلاً يعوض الفارق في كلفة النقل.
– البحث بتعديل بدل النقل للموظفين يشكل أحد عناصر الجواب لكنه لن يكون كافياً إذا وضعنا في حسابنا أن سعر الصرف سيسجل مزيداً من الانهيار في سعر صرف الليرة، مع توقف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات اللازمة لاستيراد المحروقات، المقدرة بين 300 و400 مليون دولار شهرياً، سيشكل طلبها من السوق بغياب واردات إضافية بالعملة الصعبة تعادل قيمتها، سبباً لارتفاع يتصاعد كل شهر في سعر الدولار ويرتفع معه سعر المحروقات، وكلفة النقل، ما يجعل البطاقة التمويلية القائمة على تسديد مبلغ وسطي يقدر بمئة دولار لكل أسرة مستفيدة الشكل الوحيد الواقعي لامتصاص نتائج رفع الدعم، فهي تقوم على ضخ مبلغ مئة مليون دولار في السوق تقريباً كل شهر، وتسهم في تخفيف الطلب على الدولار، من جهة، ومن جهة ثانية، تحول دون تأثير ارتفاع سعر الصرف على تعويض رفع الدعم لأن البطاقة تمول بالدولار وترتفع قيمة مساهمتها بالليرة اللبنانية بالتناسب مع ارتفاع سعر الصرف.
– يبقى الجواب عن سؤال مصدر تمويل البطاقة هو اللغز المحير، على رغم موافقة البنك الدولي على رعاية إصدارها، ما يمنحها فرصة الحصول على مساهمات من مصادر تمويل خارجية، لكن مصرف لبنان ولجنة المال النيابية ووزارة المال كانوا قد توافقوا على طلب نقل اعتماد القرض المخصص لتأمين باصات للنقل العام إلى تمويل البطاقة في خطوة تعادل الجريمة بحق اللبنانيين، وحسناً فعل وزير الأشغال والنقل الدكتور علي حمية بالتمسك بالقرض ورفض التخلي عنه لتحويله إلى أحد مصادر تمويل البطاقة التمويلية، من دون أن يلغي ذلك الحاجة للبحث عن تمويل بديل ومكمل، لأن قيمة قرض النقل العام تكفي تغطية البطاقة لشهرين فقط، يبدو أنها كانت في حساب دعاة وضع اليد على قرض كافية لامتصاص النقمة مع صدمة رفع الدعم، وترك البطاقة تترنح بعدها من دون تمويل، والقول إنه سيستعاض عن تمويلها بالدولار بتمويل بالليرة اللبنانية على سعر يقرره مصرف لبنان.
– خلال الشهر الماضي حصل لبنان على مبلغ مليار ومئة وأربعين مليون دولار من صندوق النقد الدولي تحت عنوان حقوق السحب الخاصة التي وزعها الصندوق على المشتركين المستحقين، وتحفظت الحكومة على هذا المبلغ، معتبرة أنها ستوظفه في مشاريع لها أهمية في حياة اللبنانيين، وأي مناقشة موضوعية مسؤولة ستصل إلى أن لا مشروع يستحق أن يوضع هذا المبلغ في خدمته أهم من البطاقة التمويلية، فهي المشروع الوحيد الذي يعود للبنانيين مباشرة، ولا تحوم حوله شبهة، في بلد كل مشاريع التلزيمات فيه غير موثوقة، وفقد فيه الناس ودائعهم، تحت عين الدولة ومصرفها المركزي ولم يلقوا تعويضاً ولا تمت ملاحقة من تسبب لهم بهذه الكارثة.
– الإفراج عن أموال حقوق السحب الخاصة لتكون سبباً لصرف ما يعادل مئة دولار لقرابة مليون عائلة لبنانية، من بينهم كل موظفي الدولة بأسلاكها العسكرية والمدنية، والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة الذي يعادلون 350 ألف عائلة، والسائقين العموميين والعائلات الأشد فقراً، وكل من تنطبق عليه مواصفات التأثر بالانهيار إلى حد فقدان القدرة على مواصلة الحد الأدنى من موجبات الحياة الكريمة.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً