أقلام الثبات
ما زالت الأزمات التي يعيشها اللبناني تستفحل يوماً بعد يوم، بالرغم من كل الاجواء الايجابية التي أشيعت بعد تشكيل الحكومة، وخصوصاً في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وعدم قدرة الحكومة على ضبط سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء، والانقطاع المتواصل في الكهرباء.
وبالرغم من كل المبادرات الايجابية التي ظهرت في موضوع الكهرباء، ووصول الفيول العراقي الى لبنان، تبدو الحلول المقترحة لغاية اليوم عاجزة عن تقديم الكهرباء للمواطنين وتفاقمت الأزمة بدل أن تتحسن التغذية. وكانت زيارة وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان والعروض التي تقدم بها بإنشاء محطتي كهرباء، مثار جدل داخلي، وخصوصاً بعدما غرّد رئيس بلدية الغبيري مقترحاً أن يكون ملعب الغولف في بيروت هو المكان المقترح لإنشاء تلك المحطة، وانقسمت الآراء وتوالت التصريحات الشاجبة والداعمة وما بينهما.
وتأسيساً على المشهد المتفاقم بعد زيارة عبد اللهيان، نورد الملاحظات التالية:
أولاً – إن الحديث عن استخدام الملعب لإنشاء معمل كهرباء، ليس كلاماً رسمياً يعني أن المحطات بالفعل قد تمّ الموافقة عليها وستدخل حيّز التنفيذ.
من الصعب أن يسير ح زب الله بمعامل كهرباء إيرانية في مناطقه بعيداً عن موافقة الدولة اللبنانية – أقّله في المرحلة الراهنة. ونلاحظ من خلال مسار استيراد المازوت، أن الحزب استمر يتحدث عن عروض ايرانية للاستيراد بالليرة اللبنانية، ويعرض الأمر على الدولة اللبنانية لفترة طويلة، ولم يقم بالاستيراد فعلاً إلا بعد ان بلغت الأزمة مداها واستفحلت وبات استيراد المازوت (من اي جهة أتى وبغض النظر عن العواقب) مطلباً شعبياً قبل أن يكون إرادة سياسية.
أما بالنسبة لاستخدام المساحة الخضراء المتبقية في ضاحية بيروت الجنوبية، فإن الحزب وعلى لسان أمينه العام كان قد أطلق منذ سنوات حملة تشجير بعنوان "المليون شجرة" لإعادة التشجير وإعادة المساحات الخضراء الى الجنوب، وتحدث عن الفارق في المساحات الخضراء بين لبنان و "اسرائيل".
ثانياً- يضع خصوم ح زب الله في الداخل "المشروع العربي لتأمين الغاز المصري والكهرباء من الاردن الى لبنان" في مقابل المازوت الايراني. وهذه المقاربة لا تستوي، فالمشروع العربي يحتاج أقله الى ثلاثة أشهر لبدء الاستجرار، وبالتالي لن يكون بامكان المواطن الاستعاضة عن المازوت، أو تقليص الاستهلاك (بفعل وجود الكهرباء) وهي المادة التي تدخل في صلب الامور الحياتية من مستشفيات وأفران ومياه، بل سيزداد الطلب عليها كلما اقترب فصل الشتاء.
ثالثاً- تتحمل القوى اللبنانية الداخلية مسؤولية أساسية في الازمات التي وصل اليها والنتائج التي حصلت. لقد منعت أحزاب الدولة العميقة الكهرباء عن المواطنين للاستفادة المادية عبر كارتيلات الموتورات ولزيادة الضغط الشعبي ما أدى الى نتائج عكسية، وهكذا استفاد ح زب الله من استقدام المازوت وتوزيعه كهبات، فظهر كمنقذ للبنان من الاختناق، ودخل الى مناطق لم تكن محسوبة عليه، ولم يكن يتوجه إليها أصلاً كجزء من بيئته الحاضنة أو البيئة التي لديه هامش من الحركة فيها.
رابعاً: قامت بعض القوى والاحزاب بالمساهمة بافتعال الازمات الداخلية للاستفادة السياسية، ولكنها خدمت ح زب الله من حيث تدري أو لا تدري. لقد غرّد أحدهم قائلاً " سننتقل من ازمة الى أزمة.. حتى النصر". وهنا يصح التساؤل: ما هو تعريف هذا النصر وما كلفته؟ وكيف يمكن أن يُحتفل بنصر وسيلته إفقار الشعب اللبناني وتجويعه وإذلاله؟
قال غاندي يوماً: لا يمكن تحقيق غاية نبيلة بوسائل غير نبيلة! ومن يطمح للانتصار عبر محاولة تجويع وقتل الشعب اللبناني فلن يحصد سوى الخيبة والفشل.