أقلام الثبات
صار اهتمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدول أفريقيا في الآونة الأخيرة واضحا للجميع، فقد زار أردوغان 28 دولة أفريقية خلال فترة إدارته، وبلغت استثمارات المستثمرين الأتراك في إفريقيا أكثر من 6.5 مليار دولار، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين أنقرة والعواصم الإفريقية نهاية العام الماضي، أكثر من 20 مليار دولار، بعد أن كان 3 مليارات دولار في عام 2003م مع بداية تولي "حزب العدالة والتنمية" الحكم في تركيا، وهي قفزة هائلة للحضور التركي في قارة تفتقر لكل المقومات وفي مقدمتها الأمن والاستقرار.
وفي أغلب دول افريقيا صارت هناك بصمة للاقتصاد التركي ومعها المخابرات التركية .
بعد وصول " حزب العدالة والتنمية" لسدة الحكم فى تركيا فيهاية عام 2002، بدأت تركيا الجديدة تتحرك في أتجاهين الأول نحو مناطق نفوذها القديمة في زمن العثمانين في القوقاز والبلقان، والثاني في دول شمال وغرب أفريقيا ودول الساحل والصحراء (موريتانيا، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، تشاد).فأستغلت تركيا حاجة تلك الدول للمساعدات، وانطلقت نحوها عبر منظمة خيرية أسمها "وكالة التنسيق والتعاون التركية" المعروفة بأسم "تيكا" وهي المنظمة التى تم الإعلان عن تأسيسها فى صباح يوم 24 يناير / كانون الثاني 1992 بموجب القرار الوزاري رقم 21124 للعمل على التعاون فى مجالات التنمية والأقتصاد والتعليم والإعلام والثقافة وتقارب الشعوب والمجتمعات وكل ما يندرج تحت مسمى "التعاون الناعم".
في البداية كانت وكالة "تيكا" تصب كل أهتمامها وتركيزها تجاه دول أسيا الوسطى والبلقان فقط الى أن ظهر شخص شديد التأثير فى المشهد التركي الحالي بل ولا نبالغ لو قلنا وفى الشرق الأوسط برمته، بعد أن كتبت أولى خطواته بالساحة السياسية بتوليه منصب مدير وكالة التنسيق والتعاون التركية في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية التركي الا وهو هاكان فيدان (الذي يشغل حاليا منصب مدير المخابرات التركية)، بعد أن قام الرقيب وقتها بالقوات المسلحة التركية بعام 1999 بتحضير بحث الماجيستير بعنوان "مقارنة بين نظام الإستخبارات الأميركب والبريطاني والتركي".
وأشار فيدان في ذلك البحث إلى حاجة تركيا الضرورية لشبكة إستخبارات خارجية قوية تمتلك القدرة على الإنتشار فى كل أرجاء المعمورة تعتمد على عدد ضخم من عناصر عالية التدريب، كي يحمل عام 2003 الذي تولى فيه هاكان فيدان منصب مدير "تيكا" تغيرا لكامل لملامح عملها ودوائر نشاطها ونفوذها، فبعد أن انحصر عمل الوكالة في دول أسيا الوسطى بات عمل الوكالة يشمل كل الدول الإسلامية ودول منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، فبات عمل الوكالة خارج تركيا أكثر شمولية من انشاء الطرق والكباري والمدارس، وجاء في مقدمة تلك الدول دول شمال وغرب أفريقيا ودول الساحل والصحراء، وهى الدول التى نفذت عليها حكومة حزب" العدالة والتنمية" فيما بعد سياسة التبشير بالعثمانية.
ومن المعلوم أن هاكان فيدان مدير المخابرات التركية الحالي أستمر بمنصبه كمدير لوكالة التنسيق والتعاون التركية "تيكا" حتى عام 2007 إلى جانب عمله كمستشار لـ أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية وقتها ثم كرئيس للوزراء (سابقا).
في البداية كان التركيز على أهمية دول البلقان كبوابات خلفية لأنشطة تركية الإستخباراتية في القارة العجوز، واليوم يتكررالاهتمام التركي على افريقيا عبر وكالة "تيكا" بنشاطها المشبوه بدول شمال أفريقيا والساحل والصحراء، ولكم أن تتخيلوا أهمية وحال وكالة "تيكا" اليوم بعد أن صار مديرا تلك الوكالة مديرا على جهاز المخابرات التركية.
والأن يطرح السؤال نفسه، وهو كيف سيكون الوضع مستقبلا في دول شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء في ظل التغلغل المخابراتي التركي هناك عبر أدوات عديدة أبرزها وكالة "تيكا"، فهل ستنجح تركيا في تنفيذ ما حققته في دول أسيا الوسطى والبلقان بأفريقيا، أم سيكون لفرنسا صاحبة الحضور الاستعماري العسكري القديم والاقتصادي الجديد رأي أخر، وهو ما يفسر سر الخلاف المتصاعد دوما بين أنقرة وباريس، فثروات افريقيا يسيل لها لعاب التركي والفرنسي وكل المستعمرين القدامى والجدد معا.