أقلام الثبات
أعلنت اميركا حربها ضد لبنان بعنوان حصار المقاومة وتجويع أهلها وتجفيف منابع العيش الكريم واستغلت منظومة الفساد الحاكمة واستطاعت من خلال المنظومة المالية التي تتحكم بالعملة الوطنية ومصادرة اموال المودعين وإصدار القرارات المزاجية والمجحفة حيث صار للدولار اكثر من 6 أسعار للصرف من جهة رسمية واحدة هي المصرف المركزي الحاكم بأمره والذي اتخذ من اللبنانيين مقيمين ومغتربين عبيدا ورعايا له وتحكم بأموالهم وعيشهم ومستقبلهم في ظل سلطة سياسية وحزبية عاجزة او متواطئة .
لقد مارست اميركا القصف العشوائي بالدولار على اللبنانيين بحجة القضاء على المقاومة وأهلها واتخذت سياسة البلد المحروق من دون تمييز ودخلت قذائف التجويع الأميركية كل بيت يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية التي انخفضت قيمتها الشرائية عشر مرات من سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار الى 15000ليرة للدولار الواحد وبعض المرات الى 23000ليرة ..!
أصيب القطاع العام بضربة قاضية أدت الى شلل الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والتعليمية والإستشفائية وتعطلت الدولة بشكل كلي منذ سبعة اشهر واصيبت القوى العسكرية والأمنية بكل أجهزتها بالجوع وتعطيل المركبات والأليات وبضرر نفسي ومعنوي ومادي أدى الى تقليص امكانياتها بالتلازم مع تزايد مهماتها نتيجة انهيار الأمن الإجتماعي والتهديدات الدائمة، مما اربك قيادتها وأضعف قدراتها في السيطرة والتحكم وأصاب جنودها وعناصرها بالإحباط الذي دفع ببعضهم اما الى الفرار من الخدمة العسكرية او تقديم استقالته ليفتش عن عمل يؤمن قوت عياله وطبابتهم وتعليمهم ..!
تعترف الجهات المعنية بترك حوالي 5000 عسكري من مختلف الرتب لوظائفهم وبعض المصادر تقول ان الرقم الحقيقي أكثر من ذلك ومرشح للزيادة طالما ان الأوضاع تزداد سوءاً، وخصوصاً أن التعويضات لنهاية الخدمة ومعاشات التقاعد التي كانت تؤخر عملية الاستقالة أو الفرار حتى لا يخسرها العسكري لم تعد حافزاً للبقاء بعد تآكل قيمتها والتي يبدو انها ستتآكل أكثر فأكثر، مما سيؤدي الى القتل البطيء والناعم للجيش والأجهزة الأمنية في منظومة ستؤدي الى تفكك حل هذه الأجهزة كما فعلت أميركا مع الجيش العراقي بعد الغزو وتركت نوافذ وابواب العراق مفتوحة للحركات التكفيرية التي توجتها بغزوة "داعش للعراق ..
ان استمرار اميركا وحلفائها بمعاقبة اللبنانيين دون إعادة دراسة التداعيات ستؤدي الى امرين:
- تفكك الأجهزة الأمنية وإعلان عدم قدرتها وجهوزيتها مما يستدعي قرارا اميركيا بالتدخل المباشر سواء عبر مجلس الأمن او عبر تحالف دولي –عربي كما حصل في العراق واليمن وسورية.
- انهيار الأمن اللبناني وفتح الحدود أمام الحركات والجماعات التكفيرية للصدام مع المقاومة بعد العجز الإسرائيلي والأميركي عن القيام بالمهمة وبعد رفض الجيش اللبناني للقيام بهذه المهمة القذرة انطلاقا من ولائه الوطني وحفظه للسلم الأهلي.
ان الحصار والعقوبات الأميركية اصابت اللبنانيين جميعاً خصوما وحلفاء دون تفريق الخصوم كهدف أساس للعقوبات الأميركية والحلفاء عقابا لهم لعجز بعضهم عن تنفيذ الخطة الأميركية او لرفض البعض الآخر ان يكون عود ثقاب لحرب أهلية جديدة ستصيبه حتما مع أنصاره.
ان الحصار الأميركي سيصيب الوجود المسيحي بشكل كبير نتيجة الهجرة المتزايدة ونتيجة التهديد الأمني اذا تدهورت الأوضاع الامنية وتفكك الجيش الذي يمكن ان يساعد في حماية المناطق المسيحية التي يمكن ان يصيبها ما أصاب المسيحيين في سورية والعراق وقضى على تجمعاتهم ومدنهم وكنائسهم وأدّى الى تهجيرهم وبالتالي تصحّر الوجود المسيحي المشرقي الذي سيخسره الشرق المسلم.
ان طريقة المعالجة الأميركية لمشاكل الجيش والقوى الأمنية معالجة خاطئة وغير لائقة عبر اظهار الجيش كقوة منكوبة تحتاج للمساعدات الغذائية وغيرها مما يعرضها لانتكاسات معنوية وتخدش الهيبة والكرامة للجيش ولا تحل المشكلة الحقيقية.
على القوى السياسية ان تبادر إلى حفظ الجيش والقوى الأمنية حفظا للوطن وأهله ...فالجيش أكثر أهمية وحاجة للمساعدة من السلفات المالية والعبثية لشركة الكهرباء الضائعة والتي لن تحل المشكلة المستدامة للظلام في لبنان .
بادروا لإنقاذ الجيش والأجهزة الأمنية انقاذا للوطن ولأنفسكم ...
*كاتب وباحث سياسي.