أقلام الثبات
يبدو أن تسارع تطورات الواقع الميداني في سورية، والمتغيرات في المواقف الدولية تجاه دمشق، قد يسبقان أي زيارة رسمية لبنانية برتوكولية الى الجارة الأقرب، رغم إنطفاء الضوء الأحمر الأميركي، الذي كان يمنع لبنان الرسمي من الانفتاح على سورية، وتفعيل العلاقات الثنائية معها على مدى أحد عشر عاماً، رغم حاجة لبنان الإقتصادية والسياسية الى هذا الانفتاح، خصوصاً لجهة تنشيط حركتي الإستيراد والتصدير والترانزيت عبر الحدود المشتركة، بالإضافة الى حاجته لعقد تفاهمات مع الجانب السوري، تفضي الى إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، لإنهاء عبء النزوح عن الخزينة اللبنانية، الذي بلغ نحو 50 مليار دولار. ولم يسهم المجتمع الدولي إلا في جزءٍ يسيرٍ منه، لم يتجاوز خمس هذا المبلغ، بحسب تأكيد مصادر معنية بملف النزوح. وبعد إنطفاء الضوء الأحمر الأميركي المذكور آنفاً، أخذ تصحيح العلاقات العربية مع دمشق حيز التنفيذ، وإسندت هذه المهمة الى الأردن، وذلك بعد لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز الفائت، يومها التمس الملك تغييراً في السياسة الأميركية حيال سورية والمنطقة. وبدا ذلك جلياً من الحركة الأردنية النشطة على خط دول الجوار السوري، وبدأت بشائر الانفتاح العربي على دمشق، من خلال إستضافة الأردن للقاء الرباعي اللبناني-السوري- المصري- الأردني من اجل تفاهم على إعادة تفعيل خط الغاز المصري، لتغذية معامل الطاقة الكهربائية في لبنان. تبع ذلك زيارة وفدٍ وزاري سوريٍ الى العاصمة الأردنية عمان للغاية عينها في الأيام القليلة الفائتة. وبعدها جاءت زيارة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة للبنان، في سياق الدور الذي تؤديه المملكة الهاشمية لإعادة تصحيح العلاقات العربية مع سورية، من البوابة الإقتصادية. وسبق كل ذلك رفع غطاء الحماية الأميركي- الأردني عن المجموعات الإرهابية المسلحة في محافظة درعا في الجنوب السوري، التي عادت الى كنف الدولة السورية، بعد إستسلام المسلحين فيها. وتزامنت زيارة الوفد الاردني لبيروت مع إنعقاد القمة التي جمعت الرئيسين الروسي فلادمير بوتين والتركي رجب الطيب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية، حيث إتخذ القرار بالإجهاز على المجموعات التكفيرية المسلحة في محافظة إدلب في الشمال السوري، بحسب معلومات مصادر سياسية سورية.
بناء على ما تقدم، لاريب أن الجارة الأقرب مقبلة على مرحلةٍ جديدةٍ من الإستقرار وتصحيح العلاقات والتعاون مع جيرانها، الذين إنخرط بعضهم في الحرب الكونية على سورية، وكان في طليعة هذه الدول الأردن الذي إستضاف على أرضه "غرفة عمليات الموك"، لضرب الإستقرار السوري، ومحاولة إسقاط الدولة السورية. والمفارقة اليوم، أن المملكة الهاشمية تتولى مهمة تطبيع العلاقات العربية الرسمية مع دمشق. ولهذه الغاية تمت زيارة الوفد الأردني الرفيع لبيروت، لتطمين الجانب اللبناني، ألا عوائق أو موانع دولية، تحديداً أميركية أمام الانفتاح الرسمي اللبناني على سورية، بعد إعلان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أنه لن يزور دمشق بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، بحسب ما تؤكد مصادر عليمة ومعنية بملف العلاقات الثنائية اللبنانية- السورية. وفي السياق، تكشف مصادر مطلعة على أجواء ميقاتي، أنه يؤيد تفعيل دور المجلس الأعلى اللبناني- السوري، وأمانته العامة في هذه المرحلة الإنتقالية الدقيقة التي يمر فيها لبنان والمنطقة، كخطوةً على طريق تفعيل العلاقات الثنائية ككل تحت سقف معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق (1991) . وتعتبر أن هذه الخطوة ترفع الحرج عن رئيس الحكومة اللبنانية العازم على خوض المعركة الإنتخابية في طرابلس، على حد تعبير المصادر عينها. وفي سياق تفعيل العلاقات يكشف مرجع في فريق الثامن من آذار معلومات عن دراسة التحضيراتٍ اللازمة لإمكان زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لدمشق، مرجحاً أن تتولى الأمانة العامة "للمجلس الأعلى" ترتيبات الزيارة المفترضة حتى الآن. ويرفض المرجع الغوص في التفاصيل. غير أن الأمين العام "للمجلس" نصري خوري لفت الى أن فحوى لقائه الأخير بالرئيس، أشار اليه بيان رئاسة الجمهورية بدقة، بالتالي فإن البحث تناول مسألة تفعيل خط الغاز المصري. وتعقيباً على ما تقدم، تسأل مصادر سياسية سورية، مادام هناك مصلحة لبنانية في اعادة تفعيل العلاقات، خصوصاً في مجال تنشيط حركة الإقتصاد اللبناني، فلماذا يكون لبنان في آخر قائمة الدول التي ستنفتح في شكلٍ رسميٍ وجديٍ على جارته الأقرب؟ وبالعودة الى مسألة المتغيرات الدولية إزاء سورية، توافق مصادر في المعارضة السورية على المعلومات المسربة عن لقاء بوتين- أردوغان، في شأن إنهاء الوجود الإرهابي في إدلب، عازيةً السبب في ذلك الى مخاوف تركية من أن تستند بعض المجموعات التكفيرية في أفغانستان على إدلب، بالتالي تنتقل اليها تباعاً، الأمر الذي يعزز البؤر الإرهابية التكفيرية على الحدود التركية، وهذا ترفضه أنقرة، كون هذه البؤر تشكل خطراً على الأمن القومي التركي لا محال. من هنا تقاطعت مصالح الطرفين الروسي- التركي على إنهاء الحال الراهن في إدلب، ودائماً برأي المصادر عينها. وعن الدور الأردني، تشير المصادر الى ان دور رئيس الوزراء في الأردن محض تنفيذي، بالتالي فإن حركته الأخيرة، تحديداً زيارته للبنان، هي لتبليغ الجانب اللبناني، قرارات إتخذت على المستوى الدولي في شأن الوضع السوري، وإسندت الى عمان مهمة التنسيق بين الدول العربية المعنية في الشأن السوري على ما يبدو. ولا تستبعد المصادر المعارضة حدوث تطورات إقليمية تصب في مصلحة الحكم في سورية، قد تستهل بزيارة وفد رسمي أردني لدمشق، برأي المصادر. لكنها تستبعد حصول زيارة لبنانية على مستوى رئاستي الجمهورية والحكومة في المدى المنظور، أي ما قبل إجراء الانتخابات النيابية في آذار المقبل. وقبل كل ذلك، لن يجرأ أركان الطبقة السياسية اللبنانية على هكذا خطوة قبل رفع الفيتو الأميركي عن إقامة العلاقات مع الحكم في دمشق، ثم عودة العلاقات الخليجية مع سورية، تختم المصادر.