الشيخ عبد الناصر جبري رحمه الله... هو من دلّني إلى الطريق وعلّمني كيف تكون الوحدة الإسلامية الحقة ـ محمد دياب

الإثنين 22 كانون الأول , 2025 12:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

لم تكن معرفتي بالشيخ عبد الناصر جبري -رحمه الله- معرفة عابرة، ولا لقاءً عاديًا في محطة من محطات العمر، بل كانت بداية طريق، وتحولًا في الوعي، ونقلة في الفهم والمسؤولية. على يديه تعلّمت أن الدين ليس شعارات تُرفع، بل موقف يُثبت، وأن الوحدة الإسلامية ليست أمنية رومانسية، بل مشروع جهاد وصبر وبصيرة.

تتلمذت على يد الشيخ، فوجدته أبًا قبل أن يكون معلّمًا، ومرشدًا قبل أن يكون خطيبًا. كان حضوره هادئًا، لكن كلماته كانت عميقة، تطرق القلب قبل العقل. لم يكن يكثر من التنظير، بل كان يربط الفكرة بالفعل، والعقيدة بالواقع، والإيمان بالمسؤولية. علّمني أن الطريق إلى الله لا يمر عبر العصبيات، بل عبر الصدق والثبات والعمل من أجل الأمة كلها، لا جزءٍ منها.

أرشدني الشيخ إلى معنى الوحدة الإسلامية الحقة؛ بل وصفها لي بأنها مجموعة من الحقول تُزرع فيها القيم، وتُسقى بالتضحيات، وتُحمى بالصبر. كان يقول: "إن الوحدة ليست إنكارًا للاختلاف، بل إدارة حكيمة له"، وإن العدو الحقيقي هو من يستثمر خلافاتنا ليزرع الفتنة بيننا. من هنا، فهمت أن الوحدة ليست خطابًا موسميًا، بل نهج حياة يبدأ من تزكية النفس، ويمتد إلى الموقف السياسي والاجتماعي.

ومن أهم ما تعلّمته منه: الثبات؛ الثبات في زمن التبدّل، وفي مرحلة تتكاثر فيها الضغوط والإغراءات. كان الشيخ يذكّرنا دائمًا بأن الطريق ليس سهلًا، وأن من يحمل راية الحق لا بد أن يُبتلى ويُمتحن، لكنه كان يزرع فينا اليقين بأن الثبات على المبدأ هو النصر الحقيقي، حتى لو تأخر ظهوره. بهذا الفهم، تعلّمت أن المقاومة ليست فقط بندقية في الميدان، بل هي وعي لا يُهزم، وإرادة لا تنكسر.

وفي حديثه عن المقاومة، لم يكن الشيخ يحصرها في جغرافيا ضيقة، بل كان يراها مشروع أمة، ودفاعًا عن كرامتها وقرارها الحر. علّمني أن الوقوف مع المقاومة هو وقوف مع المستضعفين، ومع حق الشعوب في التحرر، ومع فلسطين التي كانت حاضرة في وجدانه كقضية مركزية لا تقبل المساومة. بهذا الوعي، ترسّخ لدي أن المقاومة خيار أخلاقي قبل أن تكون خيارًا سياسيًا.

أما حب الإمام السيد علي الخامنئي، فكان عند الشيخ حبًا واعيًا، نابعًا من فهمٍ لدور القيادة الصادقة في زمن الاستكبار. علّمني أن حب القادة الربانيين ليس تقديسًا للأشخاص، بل هو التزام بالنهج، واستلهام للثبات والجرأة والحكمة. كان يرى في الإمام الخامنئي -كما سلفه الإمام الخميني- نموذجًا للقيادة التي تجمع بين الفقه والبصيرة، وبين الروحانية والموقف السياسي الشجاع؛ فتعلمت أن الانحياز لمثل هذه القيادة هو انحياز لقيم العدل والكرامة والاستقلال.

رحل الشيخ عبد الناصر جبري -رحمه الله- لكن أثره باقٍ؛ باقٍ في كل موقف ثبات، وفي كل دعوة للوحدة، وفي كل كلمة حق تُقال دون خوف. بالنسبة لي، سيبقى الشيخ هو من دلّني إلى الطريق، وعلّمني أن السير فيه يحتاج إلى إخلاص وصبر ووعي. أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل ما زرعه فينا حقولًا مثمرة، لا تيبس ولا تنحرف، حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل