أقلام الثبات
بطلب أمريكي، وضمن مهلة محددة قبل نهاية العام، أُلزمت الحكومة اللبنانية بوجوب إقرار مشروع "الفجوة المالية"، أو مشروع "إعادة إعمار المصارف اللبنانية". يهدف هذا المشروع بشكل مخادع إلى إعادة أموال المودعين على مدى سنوات غير مضمونة النتائج، ليُضاف هذا إلى ست سنوات من النهب الذي ارتكبته المصارف عبر تجميد الأموال أو تقنينها واستثمارها دون أي فائدة أو ربح للمودعين.
تتقاطع مصالح الطبقة السياسية اللبنانية، من وزراء ونواب وزعماء، مع مطالب ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لحماية وإعادة إعمار منظومة المصارف وحصر الحركة المالية الداخلية والخارجية فيها، مما يسهل إجراءات الرقابة المالية والاستخباراتية المشددة، ويسمح بتطبيق حصار شامل على المقاومة وأهلها، أفراداً ومؤسسات وتجاراً، ليتكامل مع الحصار العسكري ضمن خطة طويلة المدى تهدف إلى تجفيف كل "روافد" المقاومة للقضاء عليها ومنع إحياء فروعها، بما يضمن أمن "إسرائيل" ومشروع أمريكا للشرق الأوسط الجديد.
المُستغرب في هذا المشروع هو ولادته القيصرية والجلسات الوزارية الماراثونية التي عُقدت تحت التهديد الأمريكي بوجوب إقراره قبل 31/12/2025، بالتزامن مع التهديد السابق بوجوب نزع السلاح من جنوب الليطاني قبل التاريخ ذاته، ومن المرجح أن تبادر الحكومة اللبنانية لإعلان إنجاز عملية إخلاء جنوب الليطاني من السلاح، وإعلان البدء بالمرحلة الثانية شمال الليطاني، وبهذا تكون أمريكا قد حقّقت إنجازين أساسيين خلال عام واحد، نزع سلاح المال والاقتصاد عبر قانون المصارف، ونزع سلاح الصواريخ والبنادق والأنفاق، لإكمال الطوق على المقاومة.
لم يتناول مشروع الحكومة "المصرفي" محاسبة أصحاب وأعضاء مجالس إدارة المصارف لارتكابهم جريمة سرقة أموال الناس، ودورهم في انهيار الأمن الاجتماعي الوطني الذي ألحق الخسائر بالمودعين والموظفين الحكوميين والعسكريين والمتقاعدين، كما لم يحاسب المشروع الوزراء والمسؤولين المعنيين بحماية الليرة اللبنانية، والذين طمأنوا الناس قبل أشهر من الانهيار بأن لبنان يملك أفضل نظام مصرفي في العالم - تبين انه افضل نظام مصرفي لسرقة المودعين - والأسوأ من ذلك أنهم أطلقوا سراح حاكم مصرف لبنان المسؤول عن الهندسات المالية والانهيار المالي، وبرّأ هذا المشروع جميع المرتكبين من أصحاب المصارف والمسؤولين الرسميين والدولة والمصرف المركزي، وحصر المسؤولية بالمودعين المظلومين الذين تحملوا الخسائر على مدى ست سنوات بين "اللولار" والدولار والشيكات وتقسيط استرجاع الودائع من المصارف من 100 دولار شهريًا إلى 400 دولار شهريًا كإجراء مصرفي وتنظيمي، ومع ذلك لم يتمكن معظم المودعين من سحب أموالهم لدفع تكاليف المستشفيات أو أقساط تعليم أبنائهم، حيث بقيت أموالهم محتجزة لدى "لصوص المصارف" الذين يحميهم المسؤولون من المحاسبة.
إن إقرار مشروع إعادة بعض الأموال للمودعين هو "طعم" خبيث من السلطة وأصحاب المصارف لصيد الناس بخطة المصارف الجديدة، لخداعهم وكسب ثقتهم مجددًا، ودعوتهم لإيداع ما يحتفظون به من نقود في منازلهم أو ما اشتروه من ذهب في خزائن المصارف ليُسرق مرة أخرى، كما يهدف المشروع إلى إحكام الحصار على مؤسسات، مثل "القرض الحسن" أو أي مؤسسة مالية خارج منظومة المال والرقابة الأمريكية، وعلى الناس أن يكونوا حذرين وألا "يُخدعوا" مرة أخرى، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر المصارف والحكومة مرتين أو أكثر.
لا تُودعوا أموالكم في المصارف إلا للضرورة القصوى ولأسبوع على الأكثر، طالما أن الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان لم تستقر، أما المغتربون الذين سرقت الدولة والمصارف ومن يحميها أموالهم التي جمعوها على مدى 40 عامًا، فعليهم، رغم الحصار المصرفي الأوروبي، ألا يرتكبوا الخطأ ذاته بإيداع أموالهم في المصارف اللبنانية، بل ينبغي عليهم البحث عن طرق استثمار آمنة، كشراء العقارات أو الذهب أو غيرها مما يمكن تسييله عند الحاجة، لأن مصارف لبنان هي كمائن مالية للشعب اللبناني وحواجز لنهب أموال الناس بقرار حكومي والأسوأ هو أنها ستكون جنودًا في منظومة الحصار الأمريكي-الإسرائيلي في الحرب الشاملة على المقاومة وعلى المودعين التحرك والمبادرة لرفع دعاوى قضائية ضد المصارف وأصحابها وضد كل من طمأنهم، وألا يصمتوا حتى لا يفلت اللصوص من سرقتهم ويعودوا لسرقتكم مجددًا.
تحاول أمريكا بناء منظومة مالية مصرفية في لبنان تتكامل مع منظومة الاحتلال ونزع السلاح، لخنق كل معارض أو مقاوم لمشروعها، وكما يرفض المقاومون والوطنيون نزع السلاح، عليهم التحرك لمنع مؤامرة الحكومة في مشروع الودائع المالية الجديد، وما يثير الاستغراب صمت قوى المقاومة من نواب ووزراء ومسؤولين وعدم تقديمهم مشروعًا متكاملًا أو تعديل مشروع الحكومة لحفظ أموال أهلهم والدفاع عن أنفسهم.
السلطة السياسية... وإعادة إعمار المصارف _ د. نسيب حطيط
الأربعاء 24 كانون الأول , 2025 02:51 توقيت بيروت
أقلام الثبات
أحمد الشرع.. "البطل" الذي لم يقرأ سيناريو النهاية _ أمين أبوراشد
سوريا... القرار لأمريكا والجولان "لإسرائيل" وتركيا تنتظر حصتها ــ د. نسيب حطيط
الشيخ عبد الناصر جبري رحمه الله... هو من دلّني إلى الطريق وعلّمني كيف تكون الوحدة الإسلامية الحقة ـ محمد دياب