أقلام الثبات
حُسِمَت هزيمة أحمد الشرع على المستوى السياسي السُنِّي المتشدِّد، حين بادر وزراؤه إلى الترحيب بالضربات الأميركية والأردنية على ما يُزعم أنها معسكرات لتنظيم "داعش" في تدمر والرقة ودير الزور وحمص، بينما هي تجمعات للعشائر والبدو، بعضها تحتضن إيديولوجية متطرفة قريبة من الفكر التكفيري "الداعشي"، كما حُسِمَت هزيمته على المستوى الوطني عندما اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه صَادَق على توقيع الشرع بالتخلِّي عن الجولان للكيان "الإسرائيلي"، خلال زيارة الأخير إلى البيت الأبيض، وتلقِّيه رشَّة عطرٍ ترحاباً، لأنه "ذكي" و"عظيم" كما وصَّفه ترامب، بعد أن أخذ منه توقيعه على ما اعتبرها ترامب مرتفعات تساوي تريليونات من الدولارات.
وفي اعتراف وزير خارجية الشرع اسعد الشيباني بالواقع الطارئ، يُنقل عنه قوله: "قيامنا بنشر خارطة سوريا الجديدة على موقع وزارة الخارجية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بعد إزالة منطقة الجولان منها، يؤكد واقعيتنا، وأننا بعيدون جداً عن التضليل الإعلامي الذي كان يمارسه (النظام البائد)، نعم، الحقيقة اليوم تقول إن الجولان لم يعد ارضاً سورية، وهذه هي الحقيقة في الوقت الراهن، ولن نقول غيرها ما لم تتغير"!
على أية حال، حُسِمَت هزيمة "الجولاني" من قبل أن يحمل الشيباني خارطة سوريا بدون الجولان، حُسِمَت منذ أدار السلطة في سوريا على طريقة العشائر الذين رموا بإبريق القهوة وقالوا "تحرم علينا شرب القهوة إلا في السويداء"، ووقعوا في "الفخ"، بعدما ابتهجت كل حكومة الشرع بالفزعات البدوية، والحميَّة العشائرية، والمنطق الفصائلي للجيش السوري "الجديد"، وسط استياء لدى معظم شرائح الشعب السوري، التي ما اعتادت الانسجام مع هذا التطرُّف المجنون الذي اتُّفق على تغطيته باسم "داعش"، و"داعش" ما هو في سوريا اليوم سوى "راجح الكذبة".
في هذا السياق يقول المعارض السوري والناشط الحقوقي الدكتور هيثم المنَّاع في إطلالة تلفزيونية مع الإعلامي سامي كليب، حول العلاقة بين سلطة أحمد الشرع وتنظيم "داعش"، إن هناك المئات من عناصر هذا التنظيم هم في مواقع مسؤولية عسكرية وأمنية داخل دوائر حكومة الشرع، وإنه (الدكتور منَّاع) يعمل على ملف من ثلاثة أجزاء حول الشخصيات الداعشية ضمن سلطة أحمد الشرع مع قوائم إسمية، الجزء الأول يتضمن 120 اسماً، والثاني 140، والثالث 150، وإن من قام بعملية تدمر ضد الأميركيين كان واحداً منهم، وكافة العناصر الأمنية على المعابر الشرقية لسوريا مثل معبر "البو كمال" هم من عناصر داعش المنضوين تحت لواء وزارتي الدفاع والداخلية.
هنا يلتقي مع الدكتور منَّاع، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن داعش كتنظيم حالي هي أكذوبة أحمد الشرع، وأن فكرها قائم ضمن الفصائل التابعة له والممولة من تركيا، وأن الشرع خلال زيارته الى حلب منذ يومين التقى قادة في "الجيش الوطني" ومنهم "الحمزات" و"العمشات"، وفي هذا الاجتماع تقرر تنفيذ الرغبة التركية بالهجوم على قسد في حلب، وتحديداً في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، ومَن بدأ بالهجوم هم عناصر الأمن العام التابعين لسلطة الشرع.
وبصرف النظر عمَّا حصل وقد يحصل في حلب، فإن استحقاق آخر السنة قد بدأ في سوريا، وفق سيناريوهات متعارضة بين الأطراف الداخليين والإقليميين والوصاية الدولية شياطينها حاضرة لدى الجميع، ويقف أحمد الشرع حائراً تائهاً في دور بطولة مسرحية أكبر منه ولا يُدرك سيناريو ختامها.
تركيا تنتظر من "قسد" تنفيذ اتفاقية آذار مع الشرع والاندماج ضمن الدولة السورية، مع إعطاء مهلة تنتهي بنهاية العام أي بعد أيام، و"قسد" ترفض الاندماج الذي لا يحفظ لها حكمها الذاتي ويحافظ على حقوق الأقليات ضمن دولة فدرالية.
وقسد رفعت من سقف خطابها في نفس الوقت، ووجَّه زعيمها مظلوم عبدي كلامه الى الشرع وأردوغان معاً وقال: "عام 2026 عام الكونفدرالية الوطنية الكردية/الوحدة الكردية في الدول الأربع التي يتوزع فيها الأكراد"، ويعني بها سوريا وتركيا والعراق وإيران، وأضاف: "يظن خصومنا أن نهاية هذا العام ستعني نهاية قوات سوريا الديمقراطية ومشروع "روج آفا" ،لكن الحقيقة ستكون بداية مشروعنا الأكبر".
بدورها أعلنت القيادية الكردية إلهام أحمد عبر قناة اليوم التابعة لقسد، أن "على دمشق وأنقرة الحذر من العبث معنا، وأي تصعيد ستكون له تبعاته، ولن يكون هناك أي اندماج ضمن الجيش، ومنطقتنا قرارها بيدنا ولن نتنازل عنها، ونحذِّر من الاستهانة بمواقفنا، وفي حال تم تجاوز الخطوط الحمراء ستكون لـ "قسد" الكلمة المفصلية، ومُقترحنا واضح وصريح: سلاحنا ونفطنا ملكٌ لنا، وندرك تماماً ما نقول".
وقد يكون أحمد الشرع قد اعتمد في بداية وصوله إلى السلطة، على دعم تركيا وقطر له، وأن وضعه الجماهيري يشبه وضع محمد مرسي في مصر، وأن سوريا تنتظر حكماً قريباً من فكر "الإخوان المسلمين" بعد خمسة عقود من الحكم العلوي، لكن سوريا الأشاعرة والصوفية أبعد ما تكون عن ذلك، بدليل أن السُنَّة، خصوصاً في المدن الكبرى، يعتبرون السُنِّي الكردي أقرب إليهم دينياً من كل التيارات التكفيرية التي دخلت القصر الجمهوري مع أحمد الشرع، وكذلك الحال مع الأقليات الدينية الأخرى التي لا تنشد سوى العيش بسلام، ولذلك فإن "قسد" التي تعتبر القوة الأكبر في سوريا اليوم، وتضمّ عناصراً من غالبية شرائح الشعب السوري، هي التي يُعتمد عليها في حماية سوريا الفدرالية المقبلة، وينتظرها العلويون في الساحل، والدروز في السويداء، والسُنَّة على امتداد الجغرافيا الممزقة بصرف النظر عن التقسيمات الجغرافية، قُبيل انتهاء دور أحمد الشرع في صنع الدويلات الطائفية خدمة لأمن "دولة" الأقلية اليهودية.
سوريا... القرار لأمريكا والجولان "لإسرائيل" وتركيا تنتظر حصتها ــ د. نسيب حطيط
الشيخ عبد الناصر جبري رحمه الله... هو من دلّني إلى الطريق وعلّمني كيف تكون الوحدة الإسلامية الحقة ـ محمد دياب
تصدع "ماغا"... لحظة الحقيقة للتيار الترامبي ــ ليلى نقولا