سوريا... القرار لأمريكا والجولان "لإسرائيل" وتركيا تنتظر حصتها ــ د. نسيب حطيط

الثلاثاء 23 كانون الأول , 2025 10:18 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
بعد عام واحد من إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وتفكيك جيشه، تغيرت سوريا جغرافيًا وسياسيًا وديموغرافيًا، وتم الإعلان عن نسخة جديدة لسوريا وفقًا لخريطة رسمية أزالت الجولان السوري، بعد اعلان ترامب ضمّه للعدو "الإسرائيلي"، وقد حققّت "إسرائيل" مكاسب خيالية في سوريا، وكانت بمنزلة أحلام تمثلت فيما يلي:
-  إسقاط آخر نظام عربي لم يوقّع اتفاق سلام ويدعم حركات المقاومة.
-  تفكيك الجيش السوري وتدمير قدراته العسكرية.
- ضم الجولان السوري وتثبيت الجنوب السوري كمنطقة عازلة أمنية.
-  إخراج إيران وحزب الله من سوريا.
تتصرف أمريكا وكأن سوريا ملكية خاصة لترامب؛ لا تخضع لقيود الكونغرس أو أي قانون، فيتصرّف فيها كما يشاء، ويقتطع منها ما يشاء، ويمنحها لمن يشاء، ثم "يرش" العطر على قفا رقبة الجولاني!
تركيا هي الخاسر الأكبر في سوريا حتى الآن، وهي التي قادت الحرب لإسقاط النظام واستقبلت الجماعات التكفيرية ودعمتها، ولا تزال تقدم الدعم اللوجستي والإداري لجبهة النصرة لإدارة الدولة السورية الجولان، لأن جماعاتها التكفيرية لا تفقه شيئًا لإدارة الدولة أو المؤسسات، ورغم أن تركيا حليفة "لإسرائيل"، وتحتفظ بعلاقات دبلوماسية واستراتيجية معها، وأدّت مهمتها بنجاح في سوريا، إلا أنها لم تستطع تحقيق الأهداف التي كان يحلم بها أردوغان:
-  لم تستطع تركيا الحصول على الإذن الأمريكي و"الإسرائيلي" للقضاء على الأكراد في شرق سوريا، لاسيما مع تزايد تهديدهم لها بعد تجربة إقليم كردستان في العراق.
- لم تتمكن تركيا من أن تكون صاحبة القرار في سوريا، فهي شريك هامشي، كما هو دور قطر والسعودية والإمارات، فالقرار الأساسي يبقى بيد أمريكا وحدها.
- لم تحقق تركيا مكاسب جغرافية جديدة ، لضمّها للواء إسكندرون، أو مكاسب اقتصادية واضحة على صعيد النفط والغاز.
 إن المستقبل السوري لا يبشّر بالخير، ومن المرجّح أن يعاني الشعب السوري مزيدًا من المعاناة في المعارك القادمة، على غرار النماذج الليبية والسودانية والأفغانية السابقة، فبعد أن حقّقت "إسرائيل" وأمريكا مطالبهما الأساسية، لم يعد لديهما ما يمنعهما من تأجيج الصراعات القومية أو الطائفية أو المذهبية في سوريا لإحراقها من الداخل، وإغراق تركيا في هذا الحريق لإضعافها، فلن ترضى "إسرائيل" وأمريكا ببقاء أي قوة، أو دولة إسلامية كبرى في المنطقة، حتى لو كانت تلك الدولة أداة في يدهما وتخدم مشروعهما، ومن هنا ينبع القلق المصري بعد سقوط غزة، وانتفاء دورها ومهمتها وبعد سقوط سوريا، تتجه الأنظار إلى مصر التي خاضت تجربة الإخوان المسلمين الأولى، وقد تتعرض لتجربة ثانية أكثر دموية تهدف إلى إقامة دولة "للأقباط المسيحيين" (15 مليون قبطي)، بعد نجاح تجربة "جنوب السودان" المسيحي وتقسيم السودان، ونجاح تجربة إسقاط النظام في سوريا والاعتراف بنظام الجماعات التكفيرية بعد الاعتراف بنظام" طالبان"" في أفغانستان، فالداخل المصري مُهدّد من الجماعات التكفيرية القادمة من ليبيا ومن جماعات الإخوان المسلمين في الداخل والأسوأ هو إجبار مصر على استقبال اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من غزة.
دخلت سوريا مرحلتها الدموية الثانية، لتثبيت التقسيم، حيث انضم الدروز إلى إسرائيل، وأصبح الانفصال الكردي أمرًا واقعًا يتطلب بعض التبادلات الجغرافية بين الأكراد والنظام السوري الجديد، بانتظار حل "إقليم الساحل العلوي"، ساحل النفط والغاز الذي تطمع فيه أمريكا وروسيا و"إسرائيل" والدول العربية، بانتظار هندسة شراكة دولية لسرقة الثروات السورية.
هل ستدفع الأحداث السورية المخيفة والمنذرة بالخطر، كلًا من مصر وتركيا، بناءً على تقاطع المصالح مع إيران والمقاومة اللبنانية، إلى صياغة معادلة جديدة لوقف الزحف الإسرائيلي وترميم ما تبقى؟
هل ستقدم تركيا ومصر، دعمًا سياسيًا أو محاولة احتواء إيجابي لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية بهدف إشغال العدو "الإسرائيلي" والحفاظ على مصالح مصر وتركيا؟
بعد تحقيق أهدافها في سوريا، ستعمل كل من إسرائيل وأمريكا على تأجيج الصراع هناك، لمشاغلة وتهديد لبنان والعراق وتركيا، وفي اللحظة المناسبة قد يصبح الأردن هدفًا إذا ما تقرر اعتماده ،كوطن بديل للفلسطينيين أو دولة فيدرالية "فلسطينية - اردنية"، لإغلاق الملف الفلسطيني نهائيًا... وتبقى المقاومة اللبنانية هي آخر أمل للأمة، مما يزيد من مصاعبها والخطر عليها.
لم تنته الحرب... وستتبدّل التحالفات وساحات المعارك في "عشرية دموية" جديدة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل