أقلام الثبات
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد المآسي التي تسببت بها كل من الفاشية والنازية في تلك الحرب وغرق الاتحاد الاوروبي في أزماته الاقتصادية والاجتماعية، تشتت أحزاب اليمين المتطرف، ولم يعد لها موقع هام في السياسة الاوروبية بشكل عام. ولكن، ولأول مرة منذ ذلك التاريخ، شهدت السنوات المنصرمة ومع صعود نجم ترامب في الولايات المتحدة الأميركية عودة لا بأس بها لليمين، ووصوله الى البرلمانات المحلية الاوروبية مكتسبًا أصواتًا إضافية من خلال تركيزه على فشل السياسات الاشتراكية والليبرالية، ومستغلاً الأزمة الاقتصادية التي تضرب اوروبا، وتفشي البطالة، والتخويف من المهاجرين، والأهم اعتماد ما هو معروف بسياسة التشاؤم من فكرة الاتحاد الاوروبي.
واليوم، يبدو من نتائج الانتخابات الالمانية أن اليمين، أو حزب البديل من أجل إلمانيا، قد خسر بشكل نقاط عدّة، ولكنه ما زال يحافظ على نسبة جيدة من أًصوات الناخبين الإلمان.
وبالرغم من أن تشكيل الحكومة قد يأخذ وقتاً طويلاً في إلمانيا، إذ أن القانون يمنح الحزب الذي فاز بالحصة الأكبر من المقاعد البرلمانية (الديمقراطي الاشتراكي)، فرصة تشكيل الحكومة، فإذا فشل، يمكن للحزب الذي أتى في المرتبة الثانية (الديمقراطي المسيحي)، ان يقوم يتشكيل أئتلاف حكومي. وهكذا، ستبقى المستشارة أنجيلا ميركل لفترة طويلة كرئيسة للحكومة بالوكالة، وسيكون بإمكانها السيطرة على القرارات الداخلية والخارجية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً للوصول الى أئتلاف حاكم يستطيع أن يحكم ويفرز مستشاراً جديدًا لإلمانيا (في الانتخابات السابقة 2017، استغرق الأمر 171 يومًا - أو ما يقرب من ستة أشهر - لتشكيل حكومة جديدة).
خسارة حزب البديل من أجل إلمانيا، بالاضافة الى تراجع العديد من الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا، يشير الى أن جائحة كورونا والتعامل معها لم تسعف اليمين في أوروبا بشكل عام، بعكس موجة الهجرة التي انفجرت منذ سنوات، واستغلها اليمين الأوروبي للتركيز على "الخوف" من فقدان الهوية الأوروبية، واستغلال الضائقة الاقتصادية وتراجع فرص العمل للتصويب على الآتين من خلف البحار لاتهامهم بالتسبب بفقدان الوظائف وتغيير وجه أوروبا.
لم يحسن اليمين الشعبوي في حزب "البديل من أجل ألمانيا" التصرف حيال الجائحة، إذ يظهر من التصويت (والذي يبدو أنه تصويت لاستمرارية نهج ميركل) أن غالبية الألمان راضون عن أداء الحكومة في التعامل مع الجائحة، أما أولئك الذين بدو غير راضين، فتشير استطلاعات الرأي أنهم صوّتوا للحزب الليبرالي الذي قام بانتقاد السياسة الصحية وكيفية التعامل مع الجائحة، دون أن يصل الى مستوى رفض اللقاح، أو تسويق "نظريات المؤامرة".
وهكذا، يبدو ان جائحة كورونا قد تسببت (بشكل من الاشكال) في الاطاحة بترامب في الولايات المتحدة بعدما تمّ اتهامه بأنه لم يدرك كيف يتعامل مع الجائحة، وبعدما ارتفعت أعداد الوفيات والإصابات الى مستوى غير مسبوق في العالم، ولم يعرف حزب "البديل من أجل إلمانيا" كيف يجذب الناخبين حين كان التصويت مرتبطاً بالجائحة، وقد تكرّ السبحة في أنحاء أوروبا، فتكون موجة انتخابات ما بعد الجائحة 2021- 2022 هي الردّ المناسب لليبراليين واليسار على صعود اليمين في العالم في موجة 2016- 2017.